محمد رفاعى.. فني كهرباء صارع السيل 6 ساعات لإنقاذ رأس غارب

لم يكن محمد رفاعى، فنى محطة كهرباء رأس غارب، يعلم أن ورديته التي بدات الساعة العاشرة مساء يوم الخميس، ستكون أخطر الورديات في حياته. «رفاعى» لم يتلق أي إخطار من شركة كهرباء القناة بقرب تعرض مدينة رأس غارب إلى سيل محتمل إلا قبل السيل بأقل من نصف ساعة. قال: «مجرد زميل عدى عليا بعربية، وقال لى يا رفاعى فيه سيل جاى، ومشى».
لم يتأخر «رفاعى» عن فصل جميع لوحات الكهرباء في المحطة الواقعة وسط منطقة سكنية كثيفة السكان، يقول: «فوراً فصلت 25 لوحة كهرباء تغذى جميع أحياء رأس غارب». يحكى فنى المحطة: «قررت أخرج من المحطة بسرعة قبل وصول السيل لكن فجأة سمعت صوتا قويا جدا وأصوات تكسير في كل مكان».
حاول فنى المحطة البالغ 58 عاماً، الهروب من السيل عبر البوابة الرئيسية للمحطة، ففوجئ بكميات كبيرة من المياه محملة بالأخشاب والأثاث وبعض السيارات تتجه إلى المحطة، فحاول تكرار المحاولة من البوابة الخلفية للمحطة، فوجد المياه قد أغرقت الأرض المحيطة بالمحطة والمنازل القريبة. يقول: «المياه في ثوان غطت كل أرض المحطة وغرفها، وحدفتنى 40 متر بعيد عن بوابة المحطة وملقتيش غير كولدير مياه وعليه ماسورة.. فضلت متعلق فيها من 12:30 بالليل لحد 7 الصبح».
يحكى «رفاعى» تفاصيل الساعات العصيبة التي قضاها معلقاً داخل محطة الكهرباء: «رددت الشهادة لما الميه وصلت لحد رقبتى، ورفعت الموبايل على أعلى مكان في الماسورة، وكل ما حد يكلمنى أقوله أنقذنى أنا لسه في المحطة، لكن محدش جالى غير ابنى وصحابه».
يشعر فنى محطة الكهرباء، الذي قارب على سن المعاش، بكثير من الأسى بسبب عدم اكتراث مسؤولى الشركة بحياته، يقول: «هم عارفين إن ليهم فنى في المحطة دى.. ومحدش لحد النهارده سأل الراجل دا راح فين.. مات ولا محتاج علاج.. لو كنت عايز أنجى بنفسى كنت هربت وسيبت المحطة». ويضيف أن أحد زملائه اتصل به أثناء حصاره داخل المحطة، وأخبره أنه أبلغ المهندس المسؤول لإنقاذه لكن أحداً من شركة الكهرباء أو أي جهة حكومية لم يأت لإنقاذ «رفاعى».
يحكى «رفاعى»: «الناس كانوا واقفين على أسطح البيوت القريبة من المحطة، وينادوا عليا (ربنا ح ينجيك يا عم أحمد زى ما أنقذت الناس.. امسك نفسك يا عم أحمد)».
تحرك حمادة رفاعى، نجل فنى المحطة، إلى منطقة «محطة الكهرباء» بحثا عن والده. يقول: «كنت أبكى وأنا أحاول الوصول إليه.. أبويا قدامى وح يضيع منى.. الناس كانت بتقوله بلاش تدخل له ح تروحوا (تموتوا) انتم الاتنين». استعان حمادة بلودر أحد المقاولين العاملين مع شركات البترول، وتوجه إلى محطة الكهرباء، ثم هبط إلى الماء مع صديق له وحملا «رفاعى» حتى وصلوا إلى اللودر ثم وضعوه في «قلاب» اللودر.
يقول «حمادة»: «كان جسمه كله مغطى بالطين وأشواك النباتات الصحراوية التي جرفها السيل، عنده إصابات في جسمه بسبب المخلفات التي جرفها السيل وفضلت (ظلت) تصطدم بجسده طوال فترة بقائه في المحطة».
يشرح «رفاعى» أهمية المحطة لمدينة رأس غارب: «المحطة دى بتغذى جميع مناطق رأس غارب بالكهرباء، إذا تأخرنا في فصلها كان من الممكن أن يموت الناس بالكهربة في بيوتهم اللى دخلها السيل.. المحطة قوتها 22 ألف كيلو وات.. فصلتها لأنى أرواح الناس دى كانت ح تبقى في رقبتى». ويضيف بحسرة: «أنا مش عايز منهم حاجة.. مجرد اهتمام من الشركة ومسؤوليها إن لهم فنى كان ح يموت في المكان دا.. أنا زعلان من رئيس الهندسة ورئيس القطاع ونقابة العاملين.. محدش فيهم سأل فيا من يومها ولا حتى كلمنى يطمن أنا فين».