في وقت من الأوقات بعد الإطاحة بهشام طلعت مصطفى تخيلت حواراً يدور بينه و بين أحمد عز امبراطور الحديد وقتئذ بعد اللحاق به و تخيلت ساعتها أن عز سيدخل السجن نتيجة لفساده السياسي و فعلاً لم يكن ليدر بخلدي أن يكون عز أول سلسال الفاسدين و أن يكون الحزب الوطني بكامل هيئته العليا من نزلاء السجون و لو كان سجن المزرعة المعروف برفاهيته و نعومة خشونته فالشعب المصري صبر و يستمر صبره سنينا طويلة قد تطول لعقود أو قرون و لكن مصر كما قلت سابقاً دولة ديناصورية و من صفاتها البطء في الحركة لدرجة الملل و اليأس من رؤية الحركة و لمسها و لكن الحركة البطيئة الوئيدة تدوس و تدهس و لا يستطيع هارب أن يفر بفعلته و أمام الزحف الديناصوري لن يتمكن احد من الفرار من تحت الأقدام و إن تمكن فإن الجسم الثوري الثقيل المتحرك بتؤدة و صبر سيجثم فوق أنفاسه و يكتم زفيره تماماً و لن يبقى له إلا شهيق الخوف و الخضة و عدم التصديق بل و الإنكار نفس الحوار اتخيله الآن بين مبارك و بين مصر الفارق أن مصر تجري إجراءات الخروج من سجن مبارك و مبارك يجري إجراءات الدخول الى سجن مصر الكبير تاريخية هي اللحظات و معبرة هي اللفتات بين مبارك الإبن الذي عق امه فسلبها أولادها الآخرين و باع شرفها في سوق النخاسة و جلب لها العار فهي حذرته من أصدقاء السوء و من فتنة الزوجة و من الافتتان بالأولاد و هو كان ابناً عاقاً مثالياً زجر أبواه و هو قائد للكلية الجوية و منع اختلاطهم بزوجته أحس منهم بالعار و لم يدر بخلده أن امتهان والده الذي أتى لمكتبه في الكلية الجوية طالباً مبلغاً من المال يعود به الي المصيلحة يعالج به والدته المحجوزة في القصر و لم يتخيل ساعتها كيف يكون عقاب ربه فعلا و علا و علا و كلما علا و طار ابتعد عن طيبة الأرض التي أنبتته و عن الطين الذي خلق منه و عن العجينة التي شكل منها و أحس أنه فوق البشر غذته نصف الإانجليزية باحاسيس العظمة رغم عدم امتلاكه اياها فكانت بئس السند و بئس الرفيق فانزوى ابواه في ركن لا يألون بالاً لابنهم العاق و لكن الله فوق فوقه مهما علا و مهما حقق من مجد كانت لعنة عقوقه تطارده فتهوي به في احلامه أو لنقل كوابيسه بعد ان أجرى الكشف الطبي و اتجه للعنبر الخاص به التقت عيناه و مصر لم تتكلم فقط نظرت له مباشرة في عينيه أحس ببرودة سهامها و لم يتوان عن الإطراق خجلاًَ و حاول أن ينطق فأشاحت بوجهها بعيداً ظغط على أسنانه كي ينطق فلم تسعفه و دب الوخز في لسانه فضاعت فرصة الإعتذار الذي لم يكن ليريح ضميره الميت أصلاً الي جوار أبويه الأصليين و في هذه اللحظة فقط ارتاحت أمه في قبرها و كفت عظام و رميم أبوه عن التململ فقد انتقم لهم الله و انتقم لكل أم و أب عقهم أبناءهم و انتصر الديناصور