هل حقا أعادت مليونية اليوم الثورة إلى الأتجاه الصحيح ، هل المطالبات التي يعج بها ميدان التحرير اليوم وكذا في الجمعة الماضية تمثل أولويات العمل الوطني في المرحلة الحالية، وهل حقا كانت المظاهرات السبب وراء حملات القبض على رموز الفساد و الإفساد في هذه المرحلة وهذا التوقيت ؟؟ أسئلة قد لا يقبلها المتظاهرون في الميدان من منطلق انها تحتمل هذا الوجه أو ذاك و هو أمر مرفوض من وجهة نظر غالبيتهم علماً أن دوافع هذا الرفض وهذا الموقف تختلف من شخص لآخر ... فهناك من يداوي شعورا بالتقصير تجاه الثوره و يجد أن الفرصة قد جاءته لا ليكون مع القائلين للثوار كفى و إنما ليكون معهم و بالتالي هو يرفض التشكيك من باب ألا يلدغ من نفس الجحر مجدداً !! وهناك من أبهره الأنتصار الذي تحقق سواء كان أحد المشاركين فيه أم لا ، إلا انه عجز عن قراءة الصوره الكاملة لهذا الانتصار و بالتالي اختل تقديره لموازين القوى و آليات الضغط و مدى فاعليتها مع اختلاف الظرف و بالتالي منعته نشوة الانتصار أن يقبل تشكيكا أو نقاشا يجرح هذه النشوه ... و أخيرا هناك من رأى في العمل الثوري نجاحا لم يكن ليحققه في غيره من الميادين و عليه فهو شعوريا أو لا شعوريا يأبى إلا و أن يحقق جميع آماله و أحلامه و طموحاته من خلال هذا الميدان ميدان العمل الثوري و بآلياته و لا شئ غيرها ... الآن و قبل أن انتقل إلى الفكرة الرئيسيه من وراء هذا المقال دعني أتفق مع الجميع أن الثورة التي بدأتها مصر في الخامس و العشرين من يناير الماضي لم تنته بعد و لم تحقق كافة مطالبها بل و أرى أنه لا ينبغي لجذوتها أن تنطفئ أو حتى تخفت لا في قريب و لا في بعيد ، ولكن – و هنا مربط الفرس – هذا لا يعني أن يتقوقع المصريون داخل دائرة العمل الثوري لإثبات أن الثوره لا تزال تنبض!! و لا أتصور أن تبقى أدواتنا مقصورة على التظاهر و الاعتصام و الهتاف !! بل و الأسوأ أن يدفعنا ذلك لأن تختل أولوياتنا فنؤخر المستقبل من أجل تقديم الماضي ... استغرب بشده اهتمام القوى السياسيه بمدى المشاركه و نوعية التمثيل في مليونيات ميدان التحرير هذه الأيام على اختلاف أسمائها في حين أكاد لا أسمع عن مؤتمرات شعبيه تتناول برامج حزبيه أو اطروحات فكريه تجوب مدن و قرى هذه المحافظة أو تلك ، استهجن إصرار قوى سياسيه فاعلة خلال الثورة أن تبقى مختبأة تحت عباءة العمل الثوري في حين أن الظرف يحتم التحرك في اتجاه العمل السياسي... أتحير حين يدعي البعض أن المظاهرات وحدها هي السبب وراء الإسراع بالقبض على هذا أو فتح تحقيق مع ذاك أهو نوع من الاستخفاف بالعقول أم اساءة تقدير للظرف ، استاء و أنا أرى كفة الماضي ترجح كفة المستقبل على ميزان أولويات كثير من النخب فيكون لذلك أثره على العوام و تحضرني حينها صورة المطالبين بدم عثمان رضي الله عنه و كيف أفسدوا دولة لينتصروا لقضيه ، و امتلئ خوفاً و أنا أرى و أسمع إساءات تطول المجلس العسكري الذي انتصر للثوار و أخذ على عاتقه تأمين الثورة فكان ذلك في حقه كالإسلام يجب ما قبله و مع ذلك تتعالى أصوات المغرضين ليصفق لها السفهاء فيفسدوا من حيث يطلبون الصلاح ويكونون على الثورة أشد من أعدائها... إن السبيل الوحيد لتجديد دماء الثورة و إعادة بعثها مرات و مرات لا يكون بمليونيات أسبوعيه هنا و هناك و إنما بعمل يومي ، و ذلك من خلال تغيير الآليات و تنويع الأدوات لكي تكون متوائمة مع متطلبات المرحله منسجمة مع المعطيات على الأرض ، مع تركيز دائم على الأهداف الرئيسية و عدم السماح لعوارض مهما تعاظمت أن تحتل قدراً من الصورة يؤدي لاختلال تلك الأولويات ... إن احداً إذا علم سلاح عدوه و تكتيكه و رأى أنه من الصعب عليه مواجهته التف عليه و استغله في محاولة جعله يخنق نفسه بنفسه ، و إني لأشعر – و أتمنى أن أكون مخطئاً – أن هذه المليونيات في طريقها لأن تصبح خادمة لأعداء الثورة من حيث يظن القائمون عليها فيها خدمة للثورة ... و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل.