أجرى الناقد السينمائى السويدى «جان أغيد» مقابلة تليفزيونية مهمة، فى مارس عام 2002، مع مواطنه المخرج العالمى «انجمار برجمان»، (وهو مخرج سويدى أخرج حوالى 50 فيلماً روائياً من أهمها: ثلاثيته الشهيرة «زجاج معتم» عام 1961، و«ضوء الشتاء» عام 1962، و«الصمت» عام 1963، ثم فيلمه الملون الأول والأشهر «صرخات وهمسات» عام 1972)، وتمت الموافقة على تحويلها فيما بعد إلى فيلم، وفى بدايات المقابلة يقول «جان أغيد»: ما يثير المرء وهو يتحدث مع برجمان هو أنه لايزال حتى الآن يجد أن السينما هى شىء مثير وممتع للتحدث عنه، فهو يتحدث عن الأفلام بحماسة صبيانية: عن الأفلام القديمة، الأفلام الجديدة، المخرجين الشباب، المخرجين الذين يفضلهم، وعن مجموعة أفلام الفيديو ونسخ الأفلام حجم 35 ملم التى يقتنيها. لم ألتق مطلقاً بمخرج مسنّ مثلما هو برجمان بهذا الشوق المتوقد لمشاهدة الأفلام. لاشك أنها إشارة تشى بفضول عذب وحب حقيقى نحو السينما التى تبدو له مثل سيل متواصل دون انقطاع منذ بدء ارتياده مشاهدة الأفلام. وقد أخبرنى أنه فى كل ربيع، ووفقاً لقرار خاص اتخذ من قبل المجلس الإدارى لمعهد الفيلم السويدى، يقوم بإرسال قائمة لهم تتضمن مائة وخمسين فيلماً من الأفلام التى يوّد مشاهدتها، والمحفوظة فى أرشيف معهد الفيلم السويدى. وفى بداية شهر يونيو من كل عام تنقل هذه الأفلام بشاحنة إلى منزله لعرضها فى قاعته المجهزة بكامل عدّة العرض. حيث أقام برجمان طقسا دائما: فهو يشاهد الفيلم فى الساعة الثالثة بعد الظهر من كل أسبوع خلال فصل الصيف، بمصاحبة أطفاله وأحفاده فى عطلاتهم الرسمية غالباً، وكان يقوم بتسليمهم قائمة بأسماء أفلام الأسبوع كل يوم اثنين. وإلى جانب المائة وخمسين فيلماً، ثمة قائمة أخرى تتضمن أفضل الأفلام التى عرضت فى الأشهر الماضية، لاسيما تلك التى جرى الحديث عنها كثيراً فى الصحف، والتى عادة ما يبعثها له الموزعون بأنفسهم. بهذه الطريقة ولو بفاصل قصير من الزمن، يكون على تماس متواصل بالأفلام الحالية، السويدية والعالمية معاً. ليس ثمة شىء مدهش أيضاً أن تكتشف وأنت تتحدث معه أنه يمتلك معرفة موسوعية بتأريخ السينما، فى جانبيها الفنى والتكنيكى معاً. وحول البعض من النقاد الذين يتذكرهم برجمان بقليل من المرح والتسامح رغم أنهم سببوا له جراحات مؤلمة، يقول: «لقد بدأت مشوارى الفنى بصعوبة كبيرة لا يقدرها أحد الآن. كانت ظروفاً صعبة للغاية حقاً. أتذكر ناقداً شهيراً كتب حول فيلمى (النشارة والبهرجة) فى جريدة يومية التعليق التالى: (أنا لن أقلل من قيمتى لأذهب وأرى القىء الأخير الذى تقيأه برجمان). وثمة ناقد أدبى آخر ذو سمعة واسم معروف فى النقاشات الأدبية، تلطفّ وذهب لمشاهدة فيلمى (ابتسامات ليلة صيف)، وفى اليوم التالى كتب يحذر القراء بقوله: (إن الفيلم يشى بخيالات مقرفة لشاب تملأ وجهه البثور. إننى أشعر بالخجل لأننى شاهدت هذا الفيلم). الحوار مفعم أيضاً بكم من الآراء المدهشة والصادمة عن بعض أفلام ونجوم ومخرجى السينما العالمية، فيما يخص تقييم أعمالهم، فهو مثلا يسخر بشدة من أداء النجم «اورسن ويلز» فى فيلم «المواطن كين»، وعن المخرج الإيطالى «أنطونيونى» يقول (حقيقة الأمر أننى لا أفهم لماذا كل هذا التبجيل لأنطونيونى؟) ويثنى بشدة على المخرج الإيطالى «فيلينى» واليابانى «كيروساوا».. هذا حوار عميق، على كل مهتم بعالم السينما البحث عنه وقراءته كاملا. مقالات متعلقة * «آخر أيام المدينة».. عنوان مصر في مهرجان برلين!! * كتاب لو تعلمون عظيم يا «وزير التعليم» اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة