أعرف أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وطنى جداً.. وأعرف أنه لن يخون الثورة.. لا قبلها ولا بعدها.. وأعرف أيضاً أنه ضامن نزيه، ألا يحكم مصر «خومينى» آخر.. ولكنى أعرف أيضاً أن المجلس العسكرى غاضب من الانتقادات الموجهة إليه.. وأعرف أكثر أنه كان يسعى لإيجاد حصانة تحكم قراراته وتصرفاته.. وهنا أقول للمجلس العسكرى: لا وألف لا! لا ننكر أن المجلس العسكرى كان حامياً للثورة.. لكن لا ينكر المجلس العسكرى أنه كان بطيئاً جداً.. ولا ننكر أن الجيش المصرى أنقذ المصريين من فتنة، ومن حرب أهلية.. لكن لا ننكر فى الوقت نفسه أن كل تأخيرة ليس فيها خيرة.. فمثلاً القرارات المتعلقة بالثلاثى: سرور والشريف وعزمى قد تأخرت.. إلى الحد الذى جعل البعض يتهم المجلس العسكرى باتهامات كان أقلها التباطؤ! لابد أن يعرف المجلس العسكرى أنه يمارس الآن سياسة.. معناها أنه لابد أن يتوقع الانتقادات.. ومعناها أنه لابد أن يتحمل.. ومعناها أنه لابد أن ينسى فكرة الحصانة.. فالحصانة للمجلس العسكرى، عندما يمارس الأسرار العسكرية فقط.. هنا نقول للجميع: «قف ممنوع الاقتراب أو التصوير».. أما حين يمارس السياسة فلا حصانة.. ولا مانع من النقد، مادام الهدف هو خدمة الوطن! هناك مخاوف كان على المجلس العسكرى أن يزيل أسبابها.. وهناك تعديات على الثورة، كان لابد أن يتحرك فى مواجهتها.. كما تحرك لإزالة التعديات على الأراضى الزراعية.. هناك تعديات أخطر كانت تمس الكرامة وتمس الثورة.. أولها محاكمة مبارك وعائلته.. وثانيها محاكمة ثلاثى الشر.. أو الثلاثى المرح، كما سماهم المصريون.. وكان التأخير سبب هذه المخاوف العامة! وأذكر أننى قلت فى المجلس العسكرى.. إن الجيش كان مصدر قوة الثورة.. ولكنه فى الوقت نفسه كان نقطة ضعفها.. والسبب أن الثورة بلا سلطة.. وأن الجيش هو الذى يدير.. بالطريقة التى يريدها، فى الوقت الذى يريده.. وكان ذلك متأخراً معظم الوقت.. فيما عرف بفروق السرعات.. أو أن إيقاع الثورة، كان أسرع من إيقاع الجيش.. وكان هذا هو سبب القلق.. وسبب الانتقادات الموجهة للمجلس العسكرى! جايز أن المجلس كان يرى أكثر.. وجايز أن العيش والملح كانت له حسابات.. جايز كل شىء.. يبقى المهم أن الرأى العام كان ينتظر قرارات أسرع.. فالفرق بين ثورة يوليو وثورة يناير أن الجيش فى يوليو كان هو الذى يفكر ويأخذ القرار.. وفى يناير لا يملك الثوار غير ميدان التحرير.. وفى يوليو كان القرار ترحيل الملك فاروق على يخت المحروسة.. الآن مبارك فى منتجع شرم الشيخ.. يعامل كرئيس جمهورية! ربما كانت هذه مبررات الخوف.. ومبررات الانتقادات أيضاً.. وبالتالى نال المجلس العسكرى من الحب جانب.. صحيح أن المصريين يُجمِعون على وطنية الجيش .. ويُجمِعون على شرفه.. لكنهم لا يمكن أن يعطوا الحصانة لأحد من جديد.. رئيساً كان أو المجلس العسكرى.. ولازم نعرف إن اللى يتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادى.. دون أن يغضب المجلس العسكرى.. أو يضيق صدره! علمت أن جلسات الحوار الأخيرة، مع الصحفيين والإعلاميين، كان فيها نوع من الزعل.. نقول لا تزعلوا.. كنا نخاف من خومينى، فقلتم لن يحدث.. وكنا نخاف على الثورة.. فقلتم لن نخون الثورة.. وكنا نخاف من اعتبارات العيش والملح.. فقلتم لا أحد فوق القانون.. وكنتم تسعون إلى الحصانة فقلنا «لا».. مادمتم تلعبون سياسة.. حصانتكم حين تعودون إلى ثكناتكم.. وعليكم خير!