البدايات دائما جميلة، فيها قدر كبير من الأمل والأمنيات ورغبة في الابداع والتجديد، بمرور السنوات تشيخ البدايات وتحتاج من يصونها ويعيد لها شبابها ورونقها . مقالات متعلقة * أهداف غابت (ويزارت السكافة -1) * السعودية وإيران... ميراث الفتنة الكبرى * حديث الثلاثاء... وجدان في البرلمان نجح الدكتور ثروت عكاشة في ان توسيع قاعدة الثقافة، وجعلها متاحة للجميع بامتداد محافظات مصر، وترك الوزارة وقد نجح في خلق حالة من الزخم الثقافى والتواصل مع الفنون والأداب المختلفة حولنا، وكانت مصر تستقبل كبار الكتاب والمفكرين والفنانين العالمين حيث يتم مناقشهم حول أحدث أعمالهم وأفكارهم . كان هناك تقدير واحتفاء من الدولة بالمثقف ودوره في المجتمع، وشهدت ستينات القرن الماضى فترة تألق للثقافة المصرية. وحين ترك عكاشة الوزراة، حاول الوزراء بعده ان يحافظوا على ما وجدوه مع التوسع في الإنشاءات والتوظيف عن طريق التعينات الحكومية والمجاملات والوساطة. ومع عصر الانفتاح الساداتى تراجعت قيمة المثقف المبدع أمام الفهلوى وصاحب المال، وبدأت مصر تعرف نوع جديد من النشاط الثقافى الاستهلاكى، فمن يملك المال لايريد مشاهدة عروض اوبرا أومسرح جاد لكن يريد أن يشاهد«حاجة تضحك متوجعش الدماغ». هذا الواقع الجديد ظهر في فيلم «انتبهوا أيها السادة»(1980)، الذي سجل انتصارعنتر الزبال (محمود يس)على استاذ الفلسفة الجامعى جلال (حسين فهمى ) الذي يفشل في الحصول على شقة تمليك يتزوج فيها في العمارة التي يملكها عنتر، وينتهى الحال بخطيبة الأستاذ بقبول الزواح من عنتر. معاهدة كامب ديفيد ،عزلت مصروقزمت دورها وصورتها في محيطها العربى، وكان لهذا تدعياته على الثقافة والمثقفين. بعد مقتل الرئيس السادات وتولى الرئيس مبارك أصبح غاية النظام بقاء الحال على ماهو عليه، ولم يظهر طوال فتره حكم مبارك الأولى وزير ثقافة لديه مشروع يريد أن يحققه، بعد انتخاب مبارك لرفترة رئاسية ثانية كلف الدكتور عاطف صدقى بتشكيل الوزارة عام 1987، وأختارالأخير فاروق حسنى ليكون وزيرا للثقافة بسبب صداقتهما ،لم يكن فاروق حسنى أسما معروفا في الوسط الثقافى حينذاك، وشن عليه عدد من الكتاب حملة هجوم تزعمها الكاتب الراحل عبدالرحمن الشرقاوى الذي كان يجده أقل من هذا المنصب الرفيع، ولكن مبارك كان عنده «التمسك بالمسؤول الذي يهاجمه الشارع والرأى العام» و استطاع فاروق حسنى خلال سنوات قليلة أن يجعل من وزارة الثقافة «حظيرة» لتدجين المثقفين، بالمناصب والجوائز والعطايا. كان لديه مشروع يريد أن ينفذه، وهو خلق كيان ثقافى ضخم، ولكن خاوى بلامضمون، ولعل ذلك كان له هدف سياسى مستتر. ساهمت وزارة الثقافة في تجريف الوعى المصرى، وكانت مجرد فقاعة ضخمة تجذب الأنظار وتلفت الانتباه ولكنها فارغة دون تأثير. في عهد فاروق حسنى المبارك صدرت ملايين الكتب ولكن توقف المصريين عن القراءة ،رعت الوزارة عدد كبير من المهرجانات السينمائية ولكن تدهورت أحوال السينما المصرية، زاد عدد معارض الفن التشكيلى ولكن القبح أصبح هو السمة الغالبة في الشارع المصرى، تم انشاء جهازالتنسيق الحضارى خدمة لصديق. أهتم فاروق حسنى بالمظهر على حساب الجوهر، فلم يكن مشروعه معنى بالقيم والعادات واشكال الابداع التي تسعى لتطوير أسلوب حياة عامة الناس، بقدر ماكانت «شو إعلامى» وحفلات افتتاح وقص شريط،ولقدعاتبنى فاروق حسنى تليفونيا على وصفى له في مقالى «الثقافة ..خدهاعصفوروطار» بأنه كان رائدا في نشر ثقافة الاستعراض، وحين واجهته أنه رغم سنوات تواجده الطويلة في الوزارة لم ينجح في تثقيف الشارع ورفع درجه وعيه، بل ترك عقول الناس يشكلها السوقة والمرتزقة في الفن والدين والثقافة وهو ما أدى لنشر الفكر التكفيرى والإرهابى وأعترف الوزير الأسبق انه بالفعل غاب عن الشارع . ترك فاروق حسنى الوزارة متخمة بالموظفين، والفساد يعشش في قطاعاتها المختلفة ،و كلما اجتمع عدد من المثقفين تحدثوا عن الفساد المستشرى في وزارة الثقافة، وذكروا أن د.علاء عبدالعزيز وزير الثقافة في زمن الإخوان كان عنده حق فيما فعله، ولكن كان التوقيت وأسلوب التنفيذ يفتقد الذكاء والفطنة، فأى تطهير في الوزارة يجب أن يكون على مراحل وليس دفعة وحدة، ولكن ما يقوله المثقفون فيما بينهم سراً لا يصرحون به علناً، ويكون التبرير: «كلهم أصحابنا واكلين معاهم عيش وملح». بعد الثورة توالى على وزارة الثقافة عدد قياسى من الوزراء، الجميع كان يتصور ان هذه الوزارة على وجه الخصوص لابد ان يحدث بها ثورة كبيرة من حيث أسلوب العمل ووضع استراتيجية تواكب المرحلة، وكذلك اعلان الحرب على الفساد بها. لكن للأسف النتائج كانت مخيبة للآمال، فما زالت الوزارة مثل خيال المآتة في الغيطان لاتؤثر في احد....فهل هذا مقصود.. بقاء الحال على ماهو عليه ؟، وشراء أصوات المثقفين الصاخبة بمنحة تفرع واصدار كتاب وعضوية لجنة، وانه ليس هناك إرادة سياسية للتغير، ومن صالح النظام الحاكم أن يظل الشعب على ماهو عليه... للحديث بقية . [email protected] اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة