الفن التشكيلى والتلوين علاج نفسى للطفل وإخراج طاقة وتعبير عن مخزون يريد أن يخرج إلى النور، هذا ماخرجت به من المحاضرة الرائعة، التى قدمها الفنان محسن شعلان والدكتورة منال عمر فى ندوة معهد دراسات الطفولة، عندما عرض شعلان صور مستشفيات الأطفال فى الخارج وكيف صممها المهندسون بحيث تعرف منذ أول وهلة أنك فى مستشفى خاص بالأطفال والأهم مستشفى يحبه الأطفال. مستشفى الأطفال من الخارج ذات شكل معمارى مبهج، تطل منه زرافة، وكلنا يعرف مدى حب الأطفال الذى لا أعرف له تفسيراً حتى الآن لهذا الحيوان العملاق الطيب!، الممرات والحيطان والأثاث تحمل ملامح طفولية، وفى نفس الوقت تحمل لهم أماناً وطمأنينة، فيكفيهم ألم الحقن والتحاليل والفحص وسجن السرير، فليس هناك داع لمزيد من الخوف والفزع والكآبة، الأطباء يرتدون ميكى ماوس ويلعبون مع الأطفال، المرضى يرسمون ويعبرون ويشخبطون، وبمناسبة الشخبطة فالحديث ذو شجون. نحن ننهر الطفل ونعاقبه بالضرب المبرح عند الشخبطة، ونخاف على حيطاننا وسيراميكنا أكثر من خوفنا على أطفالنا وتوازنهم النفسى، الحائط من الممكن دهانه بالبوية ولكن نفسية الطفل التى كبتناها لايمكن دهانها ومواراتها وعلاج شروخها وآثار قمعها، مانسميه شخبطة هو فن أطفالنا الخاص جداً، صرخاتهم على الورق، لو فردنا أمام الطفل لوحة كبيرة ومنحناه ألواناً سائلة تسمح بالانطلاق بدلاً من حصار الطباشير، من الممكن جداً أن تتسخ يداه، ومن الممكن جداً أن تتسخ ملابسه، لكن من المؤكد أن قلبه سيزداد نظافة، ومن المؤكد أن عقله ووجدانه سيرمى أعباء كثيرة خلف ظهره، ويتحرر ويطير ويحلم ويبدع. التوحد أو كما يسميه الدكتور عكاشة «الذاتوية» خلل فى التواصل، طفل داخل شرنقة عالمه الخاص، ولكن هل ضعف التواصل مشكلة الطفل المتوحد فقط ؟، إنها للأسف مشكلة أطفال مصر جميعاً، إنهم فاقدون للتواصل، فاقدون للتعبير، الأسرة تكبتهم، المدرسة تقمعهم، الشارع يحتقرهم، الأندية تلفظهم، الحكومة تتاجر بهم وتستخدمهم كدعاية انتخابية. كيف عبر الفن المصرى عن الأمراض النفسية للأطفال ؟، إنه قدم المرض النفسى عموماً للأطفال والكبار بشكل كاريكاتيرى سخيف، يعتمد على المبالغة، ولا يغوص فى أعماق النفس البشرية، وعندما حدثنا د.عكاشة عن كم الأفلام الأجنبية التى ناقشت المرض النفسى وحازت على الأوسكار وجدنا أنها تسيطر على معظم الجوائز، وكلها مصنوعة بحرفية ومهارة وشاعرية وعبقرية، نحن فى أفلامنا نتاجر بالمرض النفسى ونتخذ من الطبيب النفسى أراجوزاً وبهلواناً، وجعلنا أبناءنا من خريجى كليات الطب يكرهون لقب طبيب نفسى، وصار تخصص طب نفسى الأطفال شيئاً نادراً بل ومكروهاً فى وطن، للأسف يشيخ أطفاله قبل الأوان. [email protected]