الرباط- وفاء صندي شكلت انتخابات المحليات في المغرب والتي أجريت في 4 سبتمبر الجاري، محطة اهتمام المغاربة والعالم لكونها، أول انتخابات في ظل دستور جديد، وبعد 4 سنوات على تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة حزب العدالة التنمية، ولكونها أيضا خلقت المفاجأة من خلال النتائج الكبيرة التي حصل عليها حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يمثل المعارضة وحزب العدالة والتنمية، المحسوب على تيار الإخوان المسلمين. ولكن المفاجأة الأكبر كانت بخروج 3 أحزاب من ضمن الأحزاب الثمانية الكبرى التي تصدرت نتائج 4 سبتمبر، خاوية اليدين في منافسات انتخاب رؤساء المجالس الجهوية، بينما لم يحصل حزب العدالة والتنمية، الذي تصدر نتائج الانتخابات الجهوية، سوى على رئاسة جهتين، بينما تمكن غريمه السياسي حزب الأصالة والمعاصرة، الذي احتل المركز الثاني في الانتخابات الجهوية، من ترأس 5 جهات، وذهبت جهتين إلى حزب الاستقلال وجهتين إلى حزب التجمع الوطني للاحرار وجهة واحدة لحزب الحركة الشعبية. في قراءة عامة لمجريات استحقاقات 4 سبتمبر، أدلى الدكتور عبدالفتاح الزين، عالم الاجتماع السياسي، ل «المصري اليوم» بمجموعة من الملاحظات: أكد الزين، في البداية، أن الأحزاب المغربية على العموم لم تخرج بعد من الصيغ القديمة التي كانت تشتغل بها من خلال الاعتماد على أعيان سياسيين قادرين على جلب الأصوات، مشيرا إلى أن الأعيان في علاقاتهم بدوائرهم فهم لايرقون إلى ما نص عليه الدستور الجديد الذي نقل الديمقراطية من مستواها التمثيلي إلى مستواها التشاركي. وأكد على أن الأحزاب في ارتباطها بالأعيان تكون قد ابتعدت عن المناضلين مما جعلها تنفصل أكثر وأكثر عن المجتمع مما أثر على الانتخابات وسيؤثر على الانتخابات القادمة وقيمتها وأهميتها في بناء ما نص عليه الدستور وما يروج له بعض الفاعلين السياسيين من بناء المشروع المجتمعي الحداثي. وقد أضاف الدكتور الزين، أن هذه الانتخابات لم ترق إلى مستوى مامنحه الدستور الجديد للأحزاب المغربية من حيث التأطير واستعمال الديمقراطية التشاركية واستعمال المفهوم الجديد للسلطة وسياسة القرب والتنمية البشرية مما جعل برامج الأحزاب انشائية فقط وليست نضالية تخرج من رحم المجتمع وتلبي مطالبه. في ذات السياق، صرح ذات المصدر بغياب الصراع الانتخابي واحقية كل حزب في الدفاع عن هويته واختلافه وبرنامجه وحل محله خطاب السب والقذف والشتم والطعن مما افقد العملية الانتخابية مستواها المواطناتي، مما وضع السلطة على المحك حيث نجد تصريحات لزعماء أحزاب ومن بينهم رئيس الحكومة، يطالها القانون، مما استلزم تدخل الضابطة القضائية وتحريك وزير العدل للمساطر للحد من هذه السلوكات. واعتبر أنه حين يغيب القانون تستأسد الإشاعة وبالتالي يغيب عن المواطنين معرفة الكاذب من الصادق مما أثر على الاختيار في الانتخابات وأثر على المسار الديمقراطي والمسار الحداثي في المغرب. وعن برامج الاحزاب فقد أكد عالم الاجتماع السياسي، غياب تصور "جيواستراتيجي" للمغرب عن برامج الأحزاب والمنتخبين، رغم أهمية هذه المحطة لما تتضمنه من برنامج مهما يشمل مشروع الجهوية المتقدمة، باعتباره مشروعا أساسيا يعوّل عليه المغرب من أجل حل نهائي لقضية الصحراء المغربية، مضيفا إن الصراع الانتخابي أعطى انطباعا أن هناك صراعا حول السلطة والحكم لا حول البرامج. وقد خلص عبدالفتاح الزين، إلى أن العملية الانتخابية الاخيرة من حيث الجوهر لم تطور المغرب كثيرا، لكنها من حيث الشكل مرت في أجواء نوعا ما سليمة حسب تقارير لجان الملاحظة التي أشرفت على العملية تحت إشراف المجلس الوطني لحقوق الإنسان. في الوقت الذي اختار فيه " العدالة والتنمية"، عدم الرد أو التعليق على نتائج انتخابات رؤساء الجهات، فقد دعا ياسين احجام، النائب البرلماني عن حزب الحزب، في تصريح خاص ل «المصري اليوم» إلى ضرورة إعادة النظر في القوانين المنظمة لانتخابات رؤساء الجهات على أن تؤول رئاسة الجهة إلى الحزب الذي حصل على أكبر نسبة من المقاعد فيها. وردّ، ذات المصدر، ما أفرزته نتائج انتخاب رؤساء الجهات وحصول حزب المصباح على رئاسة جهتين فقط إلى قوانين الانتخابات الحالية، مما يستلزم فتح نقاش قانوني موسع، اما يخلص إلى ترك القوانين كما هي أو يفضى إلى مراجعتها وتعديلها. وذكّر احجام، بأن حزب العدالة والتنمية قد حصل في انتخابات 4 سبتمبر، على أكبر عدد اصوات وصل إلى مليون و550 ألف صوت وأن رصيده لدى المغاربة بعد 4 سنوات من تسيير الشأن العام في تزايد وهذا ما ستثبته الانتخابات التشريعية القادمة. اما الفائز الاكبر في هذه الانتخابات، حسب احجام، فهو الوطن الذي شهد عرسا ديمقراطيا اختار فيه الشعب منتخبيه بحرية وشفافية مما يكرس للاستثناء المغربي ومسيرة المغرب في الاصلاح الهادئ نحو مزيد من ترسيخ ثقافة الديمقراطية. من جهتها، اكدت سليمة فراجي، النائبة البرلمانية عن حزب الاصالة والمعاصرة، ان نتائج استحقاقات 4 سبتمبر وحصول حزب الاصالة والمعاصرة على رئاسة 5 جهات لم يكن مفاجئا لتبني الحزب منذ تأسيسه في 2008 لمشروع حداثي راهن عليه دون الاكتراث لخطاب الشيطنة وما طال الحزب من اتهامات واكبت موجة الربيع العربي واعتبرته حزبا مخزنيا. لكن بعد نهاية هذه الموجة عادت الرؤية الصحيحة للمواطن المغربي الذي تحرر اليوم من تأثير الدين والمال والايديولوجية، وأصبح يقيم عمل الأحزاب بناء على ما تقدمه وليس اعتمادا فقط على مرجعيتها الدينية أو غيرها. وأكدت فراجي في تصريح خاص ل «المصري اليوم» أنه بعد حصول الاصالة والمعاصرة على 48 مقعدا في البرلمان في انتخابات 2011، اشتغل على التنظيم والهيكلة لانه أمن أن الرهان لا يتعلق بفتح "دكاكين" انتخابية وقت الانتخابات، فقط، وإنما بتقوية الحزب عبر تنظيماته ومؤسساته، وهذا ما عكسته نتائج الاستحقاقات الاخيرة التي تبوأ فيها الحزب المراكز الأولى. فيما اعتبرت ذات النائبة البرلمانية، أن كل قيادات حزب الاصالة والمعاصرة التي تم انتخابها على رأس الجهات الاقتصادية الكبرى في المملكة تشكل رموزا لهذه الجهات وهي شخصيات تتمتع بالكفاءة والتجربة الكبيرة التي تسمح لها بتسيير الجهة بنفس روح التميز التي عبر عنها دستور 2011 والذي اعتبر الجهة كحكومة مصغرة لها ميزانيتها ومواردها المالية الخاصة. وعن توقعاتها بالنسبة للاستحقاقات التشريعية القادمة، أكدت فراجي أن الانتخابات الجماعية والجهوية بكل ما حملته من نتائج جيدة للحزب هي ليست إلا تمهيدا للانتخابات التشريعية ل 2016، مأكدة أن الاصالة والمعاصرة سيستمر في مساره الاصلاحي والتنموي وسيتبنى برنامجا يعبر عن طموح كل المغاربة. وعن النتائج التي حصل عليها حزب الاستقلال والتي كانت محط تساؤل واتهام بالفشل أو الخسارة، فقد أكدت خديجة الزومي، المستشارة البرلمانية عن حزب الاستقلال، أن الحزب احتفظ بموقعه في المركز الثاني رغم مجموعة من الاكراهات والصراعات التي ظهرت في المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، دون ان تنكر ضرورة مراجعة الآليات الانتخابية داخل الحزب في اطار من النقد الذاتي. واعتبرت ذات المستشارة البرلمانية، أن نتائج انتخاب رؤساء الجهات لم تكن مفهومة ولم تعبر عما أفرزته الصناديق فلم تحترم إرادة الناخب ولا صوته مما يهدد بالعزوف عن المشاركة في الاستحقاقات القادمة، مما يجعل الجسر بين المغرب والديمقراطية لايزال طويلا وربما متعبا، ويستدعي ضرورة إعادة النظر في طريقة الاقتراع وطريقة تواجد الأحزاب في المغرب، بحيث دعت الزومي إلى ضرورة إفراز اقطاب حزبية حتى تكون إرادة الناخب ملموسة ويمكن متابعتها. وعن المسؤولية عن نتائج انتخاب المجالس الجهوية، أكدت الزومي أن المسؤولية مشتركة بين جميع الفاعلين السياسيين المطالبين اليوم بإعادة النظر في استراتيجياتهم وفي آلياتهم وخطاباتهم وسلوكاتهم الانتخابوية والسياسية معتبرة أن لا حق لأحد بأن يمس المشهد السياسي المغربي بمزيد من المسخ الذي وصل إليه. وفي ذات السياق، اعتبرت ذات المصدر أن انتخابات 4 سبتمبر وما أفرزته من نتائج يبقى تمرينا ديمقراطيا يمكن أن يتلكأ أو يتعثر، لكن يجب الإصرار على أن نكون ديمقراطيين في السلوكات والخطابات، ويجب أن يبقى محطة للنقد الذاتي والموضوعي من أجل مصلحة الوطن وليس مصلحة الأحزاب «لاننا نريد للمغرب أن يكون بلدا ديمقراطيا بامتياز». وفي توقعاتها للانتخابات التشريعية القادمة، اعتبرت الزومي، أنها ستكون جد شرسة وسيتم فيها دفع ما تبقى من حسابات عالقة، حيث اعتبرت عدم الالتزام بالتحالفات قد يكون الرد عليه قويا في الاستحقاقات المقبلة. في المقابل طالبت الزومي بضرورة الاصرار على المشاركة وحسن اختيار المرشحين. يذكر أن استحقاقات 4 سبتمبر شهدت مشاركة تجاوزت ال 50% من الناخبين، حصل فيها حزب العدالة والتنمية على مليون و559 ألف صوت، محققا 5021 مقعدا تمثل 15.94 من إجمالي عدد المقاعد البالغ عددها 31 ألف مقعد، بينما حصل حزب الأصالة والمعاصرة على مليون و333 ألف صوت، ومليون و 70 ألف صوت لحزب الاستقلال، بينما لم تتجاوز باقي الأحزاب عتبة المليون.