أمران مهمان جداً فى بناء الدولة المدنية.. هما: الإعلام والأمن.. والدكتور محمد البرادعى يطالب بضرورة إصلاح الإعلام والأمن.. بحيث ينبغى استقلال الجهازين معاً.. ويكون كل منهما ملكاً للدولة.. وليس ملكاً لأى نظام، ولا لأى رئيس.. وهى بديهيات فى الأنظمة المتحضرة.. ولكن لأنها فرائض كانت غائبة فقد وجب التأكيد عليها.. والبدء من نقطة الصفر: أمن مستقل وإعلام مستقل! وأتصور أن الوزير منصور العيسوى يدرك تماماً مهمته، التى جاء من أجلها.. وهى إعادة الأمن للشارع أولاً.. ثانياً تصحيح مساره.. ليبقى أمن الوطن، لا أمن النظام.. وأتصور أن «العيسوى» قد لقى ترحيباً وارتياحاً من الشارع.. غير أنه هوجم من رجال الشرطة.. وهتفوا ضده لأسباب يعلمها الله.. جائز لأنه جاء بأجندة واضحة، وهى محاربة الفساد.. وجائز لأن هناك من يعمل بالريموت كنترول! لا ننكر أن هناك تحديات كثيرة أمام وزير الداخلية.. ولا ننكر أن هناك مخططات كثيرة تستهدف وزير الداخلية.. فالرجل يتعامل بمنطق مختلف، ويعتذر عن أخطاء لم يرتكبها.. ويسعى لتطويق الفساد.. كما يسعى لتطبيق مبدأ الثواب والعقاب.. ويرى فى الوقت نفسه أن ما يقوم به واجب وطنى.. وقد كان بإمكانه أن يتردد فى قبول المنصب.. نظراً لحالة الانفلات الأمنى، التى كانت تواجه مصر! لم يتردد «العيسوى» فى قبول المهمة.. ورأينا وزير الداخلية، لأول مرة، مواطناً عادياً.. يشجع الثورة، ويتعهد بحماية مكتسباتها.. ويحمل فى طياته الكثير.. ليس فقط لجهاز الشرطة.. بل للمواطن وللشعب المصرى بأكمله.. كما عاد وزير الداخلية إلى صفوف المواطنين.. يظهر على الناس، ويخاطبهم فى الصحف والإعلام.. ويمشى فى الأسواق.. ولا يحتمى بالمجنزرات والمصفحات والآلى! وربما لهذا السبب لم نتردد فى دعم الوزير الجديد.. أو طلب التعاون معه.. لماذا؟.. لأن الأمن لنا.. والشرطة لنا.. لا علينا.. كان كل شىء حول الأمن سيئ السمعة.. القائمون عليه والمتعاملون معه.. وكان الناس فريقين: عملاء ومذنبين.. لا يرى رجال الأمن مواطناً شريفاً.. فالبرىء متهم حتى يثبت العكس.. وجاء الرجل كمواطن يسعى لاستقلال الأمن.. لا نخشى منه وإنما نخشى عليه! الآن لا نخاف من الكتابة عن وزير الداخلية.. مدحاً.. لأننا ممكن أن ننتقده.. والمسؤول الذى تملك انتقاده يمكن أن تمدحه.. أما الوزير نصف الإله، الذى كنت لا تنتقده فلا يمكن أن تمدحه.. وهذه هى القاعدة.. فقد كان وزير الداخلية جبروتاً.. يغلق الحنفية من المنبع.. إما بأمر.. وإما بتلفيق التهم لأصحابها.. وكم حدث التواطؤ مع كتاب ورؤساء تحرير ورؤساء أحزاب! ولأن وزير الداخلية كان نصف إله.. كرهناه.. ولأنه كان نصف إله ابتعدنا عنه وصبرنا عليه.. كما نصبر على الجار السوء.. إما أن يرحل أو تجيله مصيبة.. وهذا ما حدث مع أسوأ وزير داخلية عرفته مصر.. هو حبيب العادلى.. فلا هو عادلى ولا حبيب.. جعل الأمن لخدمة سيده ورئيسه.. وراح يغرف من خزائن الأرض.. فلا الصحافة واجهته.. ولا النيابة واجهته! كان «العادلى» يعتمد على حوار واحد فى عيد الشرطة.. وكان يختار محاوره فى التليفزيون.. ويختار محاوره فى الصحف.. وربما يرسل بالأوراق مكتوبة مع صورة تعبيرية.. ولم يكن يسمح بمؤتمر صحفى.. قد يتعرض فيه لأسئلة طائشة.. الآن تغير الحال مع الثورة، وأصبح وزير الداخلية يتحاور مع أى صحفى وأى مذيع.. وتصالح مع الشعب، فصالحه الشعب.. عندما أصبح الأمن للوطن، لا للنظام!