كافكا.. «أرجوك.. اعتبرني حلمًا»

رأي فرانتس كافكا، المثقف المفرط الحساسية، الواقع تحت استبداد عائلي من الأب، وسياسي من السلطة، أن العالم سيئ وقبيح، فكان منتوجه السردي كابوسًا طويلًا لا ينتهي إلا بالموت، الصبي «كارل»، بطل «أمريكا»، يواجه وحده بؤس العالم في بلاد العم سام، بلا دليل، بلا نهاية، وبلا عائلة، و«جريجور» المسالم بطل «المسخ»، يستيقظ صباحًا مثل الجميع، لكنه يفاجأ أنه تحول بلا مقدمات إلى خنفساء ضخمة!
وحسب ألبير كامو، يعتبر أهم ما يميز أدب كافكا «3 يوليو 1883- 3 يونيو 1924» أنه «يُجبر القارئ على إعادة قراءته»، فيما يرجع ذلك الشغف العالمي بكافكا، الذي قدمه طه حسين إلي القارئ العربي، ووصف أدبه بالسوداوية، في مجلة «الكاتب المصري» إلى إخلاصه الشديد للكتابة، واكتشافه جوهر وجوده من خلالها، «من السهل رؤية أن قواي كلها تركزت في الكتابة، فقد كان جليًا في كينونتي أن الكتابة الوسيلة الأكثر وفرة لوجودي، ولهذا فقد اندفعُ كل شيء في هذا الاتجاه مُخلفًا وراءه كل قدراتي في بهجة الجنس، الأكل، الشرب، تأملاتي الفلسفية، وفوق كل هذا الموسيقى، لقد ضمرتُ في كل هذا، وكان لابد من ذلك، لأن قواي كلها بالكاد تفي الكتابة».
ومن المفارقة أن جُل أدب كافكا الألماني ذي الأصول التشيكية لم ينشر إلا بعد وفاته عبر صديقه الأقرب ماكس برود، وبعضه نشر ضد رغبته، ولولا يقظة وعي «برود» ومخالفته وصية صديقه لحرمت البشرية من أعمال أنجب أبناء أوروبا، وأشدهم حساسية، تلك الحساسية التي أروثته حزنًا جارحًا يبدو في كل أعماله «أحيانًا أكون مُقتنعًا تمامًا أنني غير مؤهل لأي علاقة بشرية»، «لا أعتزل الناس لأنني أريد أن أعيش بسلام، بل لأنني أريد أن أموت بسلام».
وصل تشاؤم وكابوسية كافكا لحد أنه كتب «عندما يكون الأطفال في الجوار أفضّل أن أغمض عينيّ»، ويكتب، في رسائله إلي خطيبته فيليس، «سأبقى مُقيدًا إلى ذاتي إلى الأبد»، «أدركُ أنني مرئيٌّ وعلى قيد الحياة، فقط عندما أكبت قدر استطاعتي كل ما يتعلق بي»، «كلما عرف الآخرون عن معاناة المرء زادت معاناته، وإن لم تزد أصبحت أقل طهارة»، وإلي صديقته ميلينا، «أنا قذر يا ميلينا، قذر بلا حدود، ولذلك أصرخ كثيرًا بشأن الطَّهارة، كيف من الممكن ألا تشعري تجاهي بالخوف أو الاشمئزاز، أو أيّ شيء آخر مشابه لذلك؟»
ويروى أن كافكا في إحدي زياراته إلي منزل ماكس برود وجد والده نائمًا في غرفة الاستقبال، فما كان منه إلا أن خرج بحذر، على أطراف أصابعه، وهمس: «أرجوك اعتبرني حلمًا».