1- قلبى يخاف منك يا أمير جلس السلطان على كرسيه وعيناه تتابع ما يجرى بين الظلمة والنور من النافذة المفتوحة التى تطل على القاهرة الرابضة عند أقدام هضبة القلعة. كان يحب منظر الغروب ويحلو له أن يتابع المعركة بين الظلمة والنور رغم علمه بنتيجتها مسبقاً" الصلاة يا مولاي " تنبه السلطان وعاد من سرحانه فرد على أتابك العسكر[1]. " حقاً يا أمير يشبك.. هيا بنا إلى الصلاة ". قام السلطان والأمير " يشبك " ليؤديا الصلاة ، وصوت المؤذنين يتردد من فوق مآذن القاهرة التي تزيد عن الألف. وبعد الصلاة قدمت الفاكهة وعلى كرسيه جلس السلطان يدخن نارجيلته ويطالع انتشار الأضواء في القاهرة المغرمة بالسهر. بينما جلس الأمير يشبك على كرسى منخفض يدخن نارجيلته ويرقب وجه السلطان وما يرتسم على صفحته من انفعالات. ضايقه أن وجه السلطان كان ينبئ بالهم ويشى بالقلق، سائل نفسه لماذا ؟ ما الذى يهمه ويقلقه لقد مهدت له الأمر ووضعته فوق الكرسى وثبته له.انثالت الذكريات ورأى نفسه والسلطان طفلين في العاشرة مربوطين بالحبال ونخاس غليظ القلب يسحبهما وراءه في شوارع القاهرة، وتذكر أيام الدرس ومران الفروسية وفنون الحرب في القلعة، لقد لازمه منذ خرجا من بلدهما البعيد النائي في الشمال بعد أن باعهما أبوهما للنخاس لفقرهما آملين أن يصبحا من الحكام في مصر في يوم ما. فقد كان حكام مصر في ذلك الزمان من المماليك الذين يدخلونها مربوطين بالحبال ثم تفرش لهم الأرض بالحرير حتى يطأوا عليه بسنابك خيلهم حيث يشق الموكب السلطانى شوارع القاهرة. ولقد جعل منه سلطاناً داس على الحرير الأحمر بسنابك فرسه وزغردت له نساء القاهرة وهتف رجالها بالدعاء له، ويعلم الله وحده ما فعل من أجل ذلك من سفك للدماء ونكث للعهود وتنكر للأصدقاء وغدر بالأمراء من الرفاق، فما الذى يقلقه وهو جالس على كرسى السلطنة ؟ تنحنح فالتفت إليه السلطان فبادره بالقول : " أرى مولاي مهموماً منشغل البال! " " المخاوف تعربد في قلبى يا أمير " رد عليه السلطان وهو ينفث الدخان في حلقات تتسع صاعدة نحو الثريا المتدلية من السقف. " مما يخاف مولاي وقد مهدت له الأمر فلم يعد هناك من يعصى له أمراً ! " كان يشبك يتحدث وابتسامة الثقة تطل من عينيه، عاجله السلطان بالرد كحجر يتدحرج من أعلى المقطم. " قلبى يخاف منك يا أمير " وكأن رد السلطان كان له فعل السحر فما أن نطق به حتى هجم حارسان على أتابك العسكر " يشبك " وقيداه وساقاه في الأغلال إلى محبسه في برج الاسكندرية. [1] قائد الجيش في العصر المملوكى