لم أكن أتصور أننا لم نعد نعرف الحرية فى أبسط وأوضح معانيها إلى هذه الدرجة، وحتى لو كان الحوار بين مثقفين! فى يوم 12 أبريل نشرت فى هذا العمود «الحرية أن يكون المركز الفرنسى حراً فى عرض فيلم لمخرجة إسرائيلية، وكل مصرى حر فى أن يشاهده أو لا يشاهده، وحر فى أن يعتبره تطبيعاً مع إسرائيل أو لا يعتبره، بل حر فى أن يوافق على التطبيع أو يرفضه». وفى عموده الأسبوعى فى «أخبار الأدب» يوم 18 أبريل، اعتبر صبرى حافظ أن الحرية براء مما نشرت لأنها بهذا تعنى أن كل المواقف متساوية باسم الحرية! وبغض النظر عما جاء فى المقال من أحكام مطلقة فيما هو نسبى، والتأكيد على ثوابت فيما هو متغير، فإن ما ذكرته لا يعنى المساواة بين المواقف المتعارضة، فالمساواة بين الشىء ونقيضه لا تكون إلا فى غياب العقل، وإنما يعنى أن تقبل بوجود الرأى المخالف لرأيك، وليس تأييده أو الدعوة إليه، ومواجهة الرأى المخالف بالأسانيد والحجج وليس بالاتهامات والشتائم أو بالتكفير والتخوين، وقد اصطلح أغلب الناس فى العالم على اعتبار من يرفض وجود الرأى المخالف لرأيه، ويعتبر رأيه الحق المطلق، وكل ما عداه باطلاً فاشياً، وهذه الكلمة ليست من الشتائم، وإنما وصف لاتجاه غير إنسانى. وقد عبرت «أخبار الأدب» فى نفس العدد عن الحرية خير تعبير، ففى الوقت الذى نشر فيه رئيس التحرير جمال الغيطانى رأى صبرى حافظ، نشر رأيه المخالف فى عموده الأسبوعى، حيث قال «إننا فى حاجة ماسة إلى معرفة إسرائيل، وإحدى أهم وسائل هذه المعرفة السينما»، ولكن «كيف سنرى الأفلام الإسرائيلية إذا كان موقف معظم المثقفين الآن رافضاً «للتطبيع»، ثم قال: «المعرفة ضرورية، ويجب ألا يعطلها الموقف من التطبيع، هنا أجد أن مشاهدة فيلم إسرائيلى كانت مكسباً وفرصة للمعرفة، لم يكن الأمر فى حاجة إلى كل هذه الضجة». ومع ملاحظة أن الفيلم المقصود ليس إسرائيلياً، وإنما فيلم فرنسى لطالبة إسرائيلية تخرجت به فى أحد معاهد السينما فى باريس، وبقدر اتفاقى مع الكاتب الكبير فى ضرورة معرفة إسرائيل ومشاهدة أفلامها، بقدر اختلافى معه فى أن مشاهدة الفيلم فى المركز الفرنسى كانت فرصة للمعرفة، وذلك لأن الأفلام أصبحت مثل الكتب، ويمكن معرفتها عن طريق شرائط الفيديو وأسطوانات ال«دى فى دى»، ولأن عرض الفيلم فى المركز الفرنسى كان شكلاً من أشكال التطبيع الذى لا أوافق عليه ولا يوافق عليه الغيطانى. [email protected]