يأتي من بعيد محلقًا فيتوقف الزمن وتتعلق به الأبصار، كسور من الثانية تفصله عن صنع التاريخ. ليست المرة الأولى له، بل فعلها من قبل حين بدا وأن أحدًا لن يفعلها، حين كانت وجوه زملاءه ومشجعيه تتآكل قلقًا وحزنًا، ليحول الحزن لسعادة غامرة، ويصدم عشاق الغريم. الليلة الهدف لن يكون في غريمه، فلا يرتقي فريق سان لورينزو لمرتبة الغريم، إلا أن الجائزة كبيرة للغاية، والحلم اقترب بشدة، فهل له أن يترك حلمه يتبخر؟ بالطبع لا، إنه نهائي كأس العالم للأندية الكرة تقترب ورأسه تلامسها، لتتجه إلى شباك أرجنتينية تمنت أن تظل عذراء، إلا أن ذلك أصبح في حكم المستحيل بعد أن تكفل بإحراز أول الأهداف الملكية من هتف الجمهور والمعلقين باسمه بجنون..سيرخيو راموس. كان شابًا واعدًا حين وطأت أقدامه لأول مرة قلعة ريال مدريد. راموس صاحب الشعر الطويل لم يكن يتعدى عمره بعد ال19، حين ضمه فلورنتينو بيريز، رئيس ريال مدريد، في ولايته الأولى، عام 2005، من سفيليا، ليكن الإسباني الوحيد الذي ضمه «بيريز» في حقبة كانت كلها تتمحور حول تكوين الفريق الذي عرف باسم «الجلاكتيكوس». صاحب ال19 عامًا كان عليه أن يدخل الملعب في حضرة زملاءه، الذين يحكي ويتحاكى بهم العالم، روبرتو كارلوس وميشيل سالجادو ولويس فيجو وزين الدين زيدان، وديفيد بيكهام، والبرازيلي رونالدو، بالإضافة إلى أيقونة إسبانيا والريال راؤول جونزاليس. شخصية كبيرة تلك التي أظهرها «راموس» في موسمه الأول، فصاحب الرقم 4، أثبت منذ وصوله للميرينجي، جدارته في حمل الرقم الذي سبقه إليه أسطورة دفاع الملكي، فيرناندو هييرو. وسجل راموس أول أهدافه بالقميص الأبيض قبل انتصاف الموسم، رغم مركزه في قلب الدفاع، ليظهر الجانب الهجومي في مهاراته، وهو الجانب الذي ذاق منه الآمرين الريال أولًا حين كان مدافعاً في سيفيليا وسجل في مرمى الميرينجي. لعب «راموس» في موسمه الأول 33 مباراة، فقط واحدة منهم دخل فيها كبديل، فيما أمن مكانه في التشكيل الأساسي للعملاق الملكي سريعًا، محرزًا أربعة أهداف، وهو سجل جيد للغاية بالنسبة لمدافع، وظل معدل مشاركاته ثابت طوال المواسم التالية، حتى موسم 2012/2013، فيما استمر في التهديف محرزًا 49 هدفًا في ال6 مواسم. وتبقى مشكلة «راموس» الكبيرة هي حصوله على البطاقات الملونة، ففي أول مواسمه في قلعة الميرينجي حصل على 11 إنذار، فيما طرد للإنذارين مرتين وحصل على طرد مباشر مرتين. وفي موسمه الثاني في الريال حصل على 19 إنذارًا، وطرد مرة للحصول على إنذارين، واستمر معدل حصوله على الكروت الملونة في نفس النطاق طوال المواسم التالية، حتى وصل المدافع في عام 2013، ليكون الأكثر طردًا في تاريخ النادي الملكي، وللمفارقة، فقد كان الأكثر طردًا في تاريخ ريال مدريد، قبل أن يحطم «راموس» رقمه، هو «هييرو»، الذي ارتدى الرقم 4 قبل «راموس» مباشرة، ليظهر كما لو أن الرقم يأتي بكروته الحمراء. فاز سيرخيو راموس بكل البطولات الكبيرة، فحصل على الدوري الإسباني 3 مرات، وكأس الملك مرتين، والسوبر الإسباني مرتين، بالإضافة إلى فوزه بكأس العالم مع منتخب بلاده عام 2010، وكان قد سبقه ببطولة أمم أوروبا 2008، وتبعه بفوز جديد بنفس البطولة، عام 2012، إلا أن العام 2014 يبقى مميزًا للغاية بالنسبة ل«راموس»، فهو عام «الماتادور» بلا شك، بعد أن صنع الحدث دائمًا. كانت الليلة الموعودة، ليلة العاشرة، 24 مايو 2014، الحلم الذي طال انتظاره 12 عامًا لعشاق الميرنجي على بعد 90 دقيقة أو أكثر بقليل، فمنذ أحرز «زيدان» هدفه الأسطوري في نهائي دوري أبطال أوروبا، عام 2002، الذي أمن الكأس التاسعة، لم يستطع الريال أن يضع يده على كأسه المحببة. الطريق الليلة ليس مفروشًا بالورود، بل ستكون الرحلة عصيبة أمام الغريم الأزلي في العاصمة الإسبانية، أتليتيكو مدريد، هذا الفريق الرهيب الذي استطاع أن يخطف الدوري الإسباني من بين العملاقين الريال وبرشلونة. لم تبدأ المباراة بشكل جيد، ها هو الحارس الأسطوري للريال، إيكر كاسياس، يخطئ خطئًا فادحًا وأتليتيكو يتقدم بالهدف الأول. الوقت يمر ولا يستطيع الريال تعديل النتيجة. الوضع يتأزم أكثر والحكم الرابع يرفع لوحته بالوقت بدل الضائع، الكرة ترفض دخول مرمى «الأتي»، رغم وصولنا للدقيقة الثانية للوقت بدل الضائع. الدموع تملأ أعين عشاق الملكي، ضاع حلم العاشرة، ربما هذه الركلة الركنية التي احتسبها الحكم هي الأمل الأخير لإنقاذ الريال من السقوط، الملكي في حاجة إلى بطل خارق كسوبرمان.. أو سوبر راموس. طار المدافع ليضع الكرة في المرمى الذي استعصى على الجميع، «ليس على راموس»، قالها باحتفاله الجنوني بالهدف، وإن لم يفعل شئ آخر في حياته لما نسى جمهور الريال اسمه طوال حياتهم، فهو المنقذ الذي فتح الباب لثلاثية في الوقت الضائع أعاد بها الريال الكأس إلى بيته القديم. فقط سبعة أشهر مضت منذ أحرز «راموس» هدفه التاريخي في مرمى أتليتيكو، وها هو يتقدم في ركنية أخرى في مباراة أخرى في بطولة أخرى، ليست بطولة عادية هذه المرة، بل تحمل اسم «كأس العالم للأندية»، لم تدخل أبدًا قلعة البيرنابيو إلا أن المدافع الإسباني أبى أن يعود إلى إسبانيا بدونها. يرتقي «راموس» للكرة العرضية وبسلاسة هداف يضعها في الشباك، ليحتفل احتفال جنوني بهدفه الثاني في البطولة، التي لم يلعب فيها الريال سوى مبارتين، ليثبت أنه أصبح عامل حاسم، ويحفر اسمه في تاريخ الريال من ماس. تتطور الأداء الدفاعي ل«راموس» كثيرًا منذ الموسم الماضي، فيبدو أنه تخلى عن حالة «السرحان»، التي كان يعاني منها في كثير من الأحيان في المواسم السابقة، كما أصبح أكثر هدوءًا وثقة، رغم أن مشكلة كثرة حصوله على البطاقات الملونة لا تزال قائمة. كذلك تطور «راموس» كثيرًا في عام 2014، وأصبح مدافع هداف بمعنى الكلمة، ويكفي أنه كان هداف الريال في الأسابيع الأخيرة للموسم الماضي، فأحرز في الموسم 2013/2014، وبداية موسم 2014/2015، 13 هدفًا، منهم هدفين في الدوري الإسباني هذا الموسم بعد مشاركته في 13 مباراة. دخل راموس ريال مدريد بشعر بني طويل وطموح كبير، وأصبح اليوم بشعر أشقر قصير وسجل طويل من البطولات والإنجازات الفردية، آخرها كأس العالم للأندية وجائزة أفضل لاعب في البطولة، وبعد قرابة 10 سنوات في البيرنابيو، أصبح القائد الثاني لفريق القرن العشرين، إلا أن كل ذلك سبقى مجرد تفاصيل في حياة رجل سيتذكره عشاق الريال في بقاع الأرض بأنه «منقذ العاشرة». شاهد أخبار الدوريات في يوم .. اشترك الآن