مكتب ستارمر يؤكد اتصاله بنتنياهو قبل إعلان الاعتراف المحتمل بدولة فلسطين    وزير الخارجية الفرنسى: نجحنا في إنقاذ حل الدولتين من خطر الموت    مسيرات إسرائيلية تستهدف قوات رديفة لوزارة الدفاع السورية فى ريف السويداء الغربى    نجاح 37 حكما و51 مساعدا فى اختبارات اللياقة البدنية    متحدث "الموسيقيين" يبارك للفائزين بالتجديد النصفى: نحتاج كل صوت مخلص    اليوم، طرح تذاكر حفل الموسقار العالمي عمر خيرت في دبي أوبرا    باستثناء الكندوز، انخفاض ملحوظ في أسعار اللحوم اليوم بالأسواق    مصرع عامل سقط من الطابق الرابع أثناء تركيب «دِش» في شبين القناطر    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن لعقد لقاءات ثنائية مع مسؤولي إدارة ترامب وأعضاء الكونجرس    الجمعة.. عرض «أنتِ السما وأنا الأرض» يشارك في المهرجان القومي للمسرح    استئناف معسكر منتخب الشباب بمشاركة 33 لاعبا استعدادا لكأس العالم    وكيله ل في الجول: أحمد ربيع لم يفقد الأمل بانتقاله للزمالك.. وجون إدوارد أصر عليه منذ يومه الأول    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    رئيس مبيعات الركوب ب"جي بي أوتو": طرح 5 طرازات تؤكد ريادة شيري في السوق المصري    أخبار كفر الشيخ اليوم... إصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص    انخفاض الحرارة 5 درجات.. "الأرصاد" تزف بشرى سارة بشأن طقس الساعات المقبلة    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    اليابان تعزي الصين في ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية    خالد أبوبكر للحكومة: الكهرباء والمياه الحد الأدنى للحياة.. ولا مجال للصمت عند انقطاعهما    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    التجهيزات النهائية لحفل ريهام عبد الحكيم باستاد الإسكندرية.. صور    الدكتورة ميرفت السيد: مستشفيات الأمانة جاهزة لتطبيق التأمين الصحي الشامل فور اعتماد "Gahar"    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    مدرب إنبي: فلسفة ريبييرو واضحة    مفاجأة ممدوح عباس.. الزمالك يتحرك لضم ديانج.. تقرير يكشف    نجم بيراميدز يطلب الانتقال ل الزمالك وحقيقة «كوبري» وسام أبو علي.. تقرير يكشف    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عاصم الجزار: لا مكان للمال السياسي في اختيار مرشحينا    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    خبير بيئي: حرائق قرية برخيل ناتجة عن اشتعال ذاتي بسبب تخمر بقايا المحاصيل والقمامة    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    أطلقه بالخطأ أثناء تنظيف السلاح.. عامل ينهي حياة ابنه بطلق ناري في كفر الشيخ    إصابة 10 أشخاص في انقلاب سيارة ميكروباص على «الدولي الساحلي» بكفر الشيخ    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    مصرع شاب سقط من علو في أكتوبر    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    زيلينسكي: سيتم توسيع برنامج تجنيد الشباب في القوات الأوكرانية بالتعاقد    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. كاتب إسرائيلى: تجميل إسرائيل إعلاميا سيفشل ولا تبرير لتجويع غزة.. ودولة الاحتلال تعترض صاروخا أطلق من اليمن وتهاجم لبنان 500 مرة خلال فترة الهدنة    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    رئيس وزراء فلسطين يبحث مع وزير الخارجية السعودي تنسيق المواقف المشتركة    أحمد فؤاد سليم: مدرس سابق عصره أشعل شرارة التمثيل بداخلي منذ المرحلة الابتدائية    خبير ل ستوديو إكسترا : مصر مركز المقاومة الحقيقي وهناك محاولة متعمدة لإضعاف الدور المصري    الجامعات الأهلية الأقل تكلفة في مصر 2026.. قائمة كاملة بالمصروفات ومؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    بدأت بصداع وتحولت إلى شلل كامل.. سكتة دماغية تصيب رجلًا ب«متلازمة الحبس»    خالف توقعات الأطباء ومصاب بعيب في القلب.. طفل مولود قبل أوانه ب133 يومًا يدخل موسوعة «جينيس»    طريقة عمل سلطة الطحينة للمشاوي، وصفة سريعة ولذيذة في دقائق    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    إقبال كبير على انتخابات التجديد النصفي لعضوية نقابة المهن الموسيقية    محافظ الدقهلية يهنئ مدير الأمن الجديد عقب توليه منصبه    قبل الصمت الانتخابي.. أضخم مؤتمر لمرشحي مستقبل وطن في استاد القاهرة (20 صورة)    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    20% من صادرات العالم.. مصر تتصدر المركز الأول عالميًا في تصدير بودرة الخبز المُحضَّرة في 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجارب الشعوب في تفكيك امبراطوريات "أمن الدولة" : اطمئني يا مصر
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 03 - 2011

يعيد تاريخ انتصار الشعوب على طغاتها نفسه . فأحداث ليلة 5 مارس 2011 في مصر كانت إعادة لأحداث 15 يناير 1990 في ألمانيا الشرقية ، حينما اقتحم آلاف الألمان المقر الرئيسي لجهاز أمن الدولة الألماني (الشتازي) . و السبب المباشر للاقتحامات كان مماثلاً ، فقد حاول ضباط الشتازي – كما حاول أشباههم في جهاز أمن الدولة في مصر – إحراق و تدمير مئات الآلاف من الملفات و الوثائق التي تدينهم بجرائم الفساد و القمع . و تحرك المواطنون الألمان و المصريون ليمنعونهم من الفرار بجرائمهم ، و الإفلات من العقوبة ، و تدمير جزءاً هاماً – و إن كان مؤلماً – من تاريخ البلدين . و لحسن حظ الشتازي لم يكن اليوتيوب و الفيس بوك موجوداً في 1990 ، و لسوء حظ أمن الدولة كانت بعض جرائمهم تذاع تباعاً على شبكة الإنترنت . فقد صُوّرت المقابر السرية ، و زنازين القرون الوسطى ، و ملفات معتقلين سياسيين أمضوا سنوات خلف القضبان دون تهمةٍ أو إدانةٍ ، و قوائم "متعاونين" في مختلف أوساط المجتمع المصري – ومنهم شخصيات دينية و سياسية و إعلامية معروفة . و تكلم بعض المعتقلين السياسيين بعد صمت طويل و مخيف ، فقال أحدهم: "مكثت 12 سنة معتقلاً في القسم السياسي من ليمان أبو زعبل بدون زيارات...عندما رأيت أولادي لم أعرفهم و لم يعرفوني ...و لكن أسوأ ما حدث لي كان خلال الشهر الذي قضيته في مبنى أمن الدولة ." و لذلك أسباب ، ففي كل مبنى أمن دولة مُقتحَم وجد المواطنون غرف و آلات تعذيب متنوعة . و لسوء حظ أمن الدولة أيضاً أن تجميع الوثائق الممزقة لن يتطلب سنوات – كما حدث مع الشتازي . فقد تقدمت تكنولوجيا أنظمة "استعادة البيانات" كثيرا مقارنةٌ بتسعينيّات القرن الماضي .
)advanced computer-assisted data recovery systems(
صدم حجم الملفات و محتوياتها الكثير من المصريين ، رغم أن الكثير من المنظمات الحقوقية و المحاكم المصرية وثقت سياسات الاعتقال بلا مبرر – عقلانياً كان أو قانونياً - ، و سياسة الخطف و اختفاء المواطنين ، وأساليب التعذيب الممنهج ، و أوضاع السجون المميتة . إلا أن التغطية الإعلامية لتفاصيل هذه السياسات و نتائجها كانت من الخطوط الحمراء في عهد مبارك البائد ، و لذلك لم يعلم بها الكثير من المصريين . و بعيداً عما يمكن أن يعتبر جرائم ضد الانسانية ، تتكشف تفاصيل أقل دمويةً عن كيفية أدارة مصر من قبل نظام مبارك . فقد كانت الجامعات مثلاً تدارمن قبل ضباط أمن الدولة - مستوى بعضهم الفكري و الثقافي أقل بكثير من المتوسط . و كان هؤلاء يحددون عمداء الجامعات ، و يقرّون ترقيات الأستاذة ، و يأشرون على تعيين المعيدين ، و يأمرون بفصل طلاب ، و يباشرون غير ذلك من تفاصيل الحياة الجامعية المصرية . و لكن الأن تقلصت الخطوط الحمراء ، و صارت " الأهرام " – من بين كل الجرائد - تحدثنا عن "سقوط دولة أمن الدولة"!
و لكن على الشعب المصري أن يعرف أن ما يمر به الآ ن قد مر به شعوب كثيرة أخرى من قبل ، انتقلت كلها من قبضة جكام من أمثال مبارك و بن علي و أجهزة أمنهما إلى مرحلة الديمقراطية و الإزدهار . و عليه أن يعلم أن عملية "الديمقرطة" تمر غالباً بأربعة مراحل : مرحلة إزالة الديكتاتورية (أو التطهير) ، و مرحلة الإنتقال للديمقراطية ، و مرحلة تثبيت الديمقراطية ، ثم مرحلة نضوج الديمقراطية . و بسقوط جهاز أمن الدولة – عصا القمع و التخريب الرئيسية في البلاد – تكون مصر قد اقتربت من الانتهاء من المرحلة الأولى – ازالة الديكتاتور و جهاز أمن نظامه الذي كان أقرب لكيان للجريمة المنظمة منه إلى مؤسسة شرطية . و لكن الانتقال إلى المرحلة الثانية سيحتاج الى إصلاح مؤسسي و قانوي ، جذري و مكثف . و يمكن الاستفادة هنا من تجارب الدول الأخرى ، و بخاصة تشيلي و اندونيسيا و جنوب أفريقيا و ألمانيا الشرقية و الأرجنتين و اسبانيا و كوريا الجنوبية . فقد كانت عملية الإصلاح الشامل لأجهزة الأمن في هذه الدول هي أهم أسباب نجاح التحول الديمقراطي . فقد استهدفت عملية الإصلاح عدة قطاعات منا الشرطة و الإستخبارات و القضاء و السجون و الإدارة المدنية للمؤسسات الأمنية . و المبدأ الأساسي المُحّرك لعملية الإصلاح هو مبدأ بسيط يتلخص في أن الهدف الرئيسي لأية جهاز أمن مهني هو أمن المواطن ، لا أمن النظام أو أية كيان آخر . و هذا المبدأ البسيط يخالف الواقع في مصر ، حيث التهديد الأساسي و اليومي لأمن المواطن لا يأتي من القاعدة أو موساد و إنما من جهاز أمن الدولة و بعض قطاعات الشرطة الأخرى . و في الدول السابق ذكرها وُضِعَت سياسات واضحة تهدف لجعل هذا المبدأ واقعاً على الأرض . فتم حل الأجهزة المماثلة لأمن الدولة كالشتازي في ألمانيا الشرقية و الباكورستاناس في اندونيسيا و المركز القومي للاستخبارات في تشيلي (سي. ان. آي) . و تم إلغاء القوانين سيئة السمعة التي تشرعن جرائم هذه الأجهزة كقانون 1963 لمكافحة الإنقلابات في اندونيسيا . أما الخطوة الثالثة في إصلاح قطاع الأمن فيتعّين فيها مراقبة هذه الأجهزة عن طريق لجان برلمانية منتخبة . ففي اندونيسيا مثلاً بدأت مراقبة الأجهزة الأمنية من خلال البرلمان المنتخب في عهد الرئيس عبد الرحمن وحيد (1999-2001) المتخرج من الأزهر ، و منذ ذلك الحين تُراقب ثلاثة لجان برلمانية ممثلة للشعب الاندونيسي جميع الأجهزة الأمنية الاندونيسية. و في تشيلي أقر مجلس الشيوخ (المماثل لمجلس الشورى في مصر) – أقر انشاء الوكالة القومية للإستخبارات – و هي هيئة مدنية تملك قانوناً التحقيق مع أية جهاز أمني في تشيلي . و حتى الأجهزة الأمنية ذات المهنية العالية – كالإستخبارات الداخلية البريطانية (أم. آي. 5) – يتم مراقبتها و التحقيق معها من قبل لجنة برلمانية مكونة من 9 برلمانيين من مجلس العموم و مجلس اللوردات .
و الخطوة الرابعة التي يجب العمل عليها هي التحقيق في الجرائم التي ارتكبها جهاز أمن الدولة في حق المصريين . و ربما تفيدنا هنا تجربة جنوب أفريقيا في اعادة بعض حقوق ضحايا القمع و التعذيب من خلال لجان "الحقيقة و المصالحة" ، وهي لجان شبه قضائية يُدعى إليها ضحايا قمع الدولة أو أهلهم (ان كانوا قد استشهدوا) ، ليدلوا بشهاداتهم علناً ، و يُستدعى كذلك المتهمين بارتكاب جرائم في حقهم ليقولوا ما عندهم ، و ليطلبوا العفو .
و بالرغم من كل ما يحدث الآن ، و بالرغم من وجود الكثير من العقبات في مسيرة الشعب المصري نحو الحرية و العدالة والديمقرطية إلا أننا مازالنا على الطريق الصحيح – رغم حملة العنف التي يشنها بقايا النظام السابق بمن فيهم فلول حزبه و جهاز أمنه . و هم يستهدفون بعنفهم الأهداف الحساسة و السهلة كالكنائس و خطوط أنابيب الغاز و غيرها . و لكن تفكيك جهاز أمن الدولة ، و إلغاء قانون الطوارئ ، و إنشاء آلية برلمانية لمراقبة الأجهزة الأمنية في المستقبل ، و تشكيل لجان تقصي الحقائق سيعطي دفعاً و ضماناً لإستمرار مسيرة الإصلاح و الديمقراطية في مصر على طريقها الصحيح .
(*) د.عمر عاشورأستاذ محاضر في العلوم السياسية ومدير برنامج الدراسات العليا في سياسة الشرق الأوسط في جامعة إكستر البريطانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.