الأخدودُ- فى معاجم اللُّغة العربية- اسمٌ يُجمعُ على أخاديد، وهو شقٌّ مستطيلٌ غائرٌ فى الأرض، أو فتحةٌ عميقةٌ، أو حُفرةٌ فى الأرض. وفى الجيولوجيا، الأخدود أو النتق، منطقةٌ تقعُ بين الصدوع الطبيعية، وتكون إما أكثر ارتفاعاً أو أقل انخفاضاً من منطقة ما وراء الصُّدوع. أصحابُ الأخدود- فى تاريخ الأديان- جماعةٌ من نصارى نجران اليمن، دعاهُم ذو نواس، ملكُ اليمن اليهودى المتعصّب، إلى الكُفر بعقيدتهم المسيحية، والدخول الإجبارى فى عقيدته اليهودية، ولما تمسكوا بإيمانهم، جمعهم فى أخدود منخفض من الأرض وأشعل فيهم النار. وفى القُرآن المجيد، نزلت فيهم سورةٌ من الوحى المكّى، هى سورةُ « البُروج ». وتحت عنوان « تفسير سورة البروج وهى مكية»، يقولُ المفسّرُ والمؤّرّخُ المشهورُ إسماعيلُ بن كثير القُرشى الدمشقى المتوفى 774 هجرية، فى تفسير معنى «قُتل أصحابُ الأخدود»: «أى لُعن أصحابُ الأخدود، وجمعُهُ أخاديد، وهو الحُفرُ فى الأرض، وهذا خبرٌ عن قوم من الكُفّار، عمدوا إلى من عندهم من المؤمنين بالله عزّ وجلّ، وأرادُوهم أن يرجعوا عن دينهم، فأبوا عليهم. فحفروا لهم فى الأرض أخدوداً، وأجّجوا فيه ناراً، وأعدّوا لهم وقوداً يُسعّرونها به، ثم أرادوهم- أى على الكُفر- فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها» انتهى الاقتباس من شيخ المُفسّرين. الأخدودُ- عند الإخوان- نظريةٌ، وفلسفةٌ، ومنهجُ حياة، وحلمٌ جماعى يتشاركون فيه ويتواصون به، ورؤية مستقبليةٌ يتوارثُها أجيالُهم، ومنظارٌ مُعلّقٌ على أبصارهم وبصائرهم يرون منه كل ماحولهم من ناس ومن تاريخ ماضيه وحاضره وقادمه، يسوقون أنفسهم إلى أخاديد وهمية، هُم فيها أهلُ الإيمان ومن سواهم كُفارٌ جددٌ حتى ولوحملوا أسماء إسلامية، هُم فيها ضحايا وشهداء وأبناءُ الله وأحبّاؤه، ومن سواهم هم ورثةُ الكُفر القديم وحُماةُ الجاهلية المُعاصرة التى انتشرت فى ديار المسلمين. أيديولوجيا الأخدود- عند الإخوان- انحرافٌ فكريى غيرُ مسبوق فى تاريخ الإسلام، بدأ مع الشاب مدرس الخط العربى، الأستاذ حسن البنّا فى الإسماعيلية 1928م، وعاشت هذه الأيديولوجيا أكثر من ثمانية عقود حتى أشرفت على الذروة والنهاية معاً، فى ميدان رابعة 2013م. بدأ الانحراف مع رسالته الأولى المحفوظة من تُراثه المطبوع «إلى أى شيء ندعو الناس؟ّ» وفيها البذور الأولى لتكفير المجتمعات الإسلامية، وفيها المنابع الأولى لاستعلاء الإخوان باعتبارهم سلطة الإيمان، وفيها الجذور الأولى لفكرة القوة ومبادئ العنف وصولاً إلى حلم الدولة الإسلامية ثم الخلافة الإسلامية، وعلى مدى عقدين، من بدأ دعوته إلى لقائه مصرعه، كانت الفكرةُ قد تجسّدت أخدوداً حقيقياً على أرض الواقع، اغتيالات وعنف انتهى بحل جماعته، وختم حياته برسالة مشهورة بعنوان «قضيتُنا» يخاطبُ فيها ضمير العالم بما يقعُ عليه وعلى جماعته من مظالم. لم يقف أحدٌ من أتباعه ومُريديه: لماذا ساقت الجماعةُ نفسها إلى ذاك الأخدود عند نهاية عقد الأربعينيات من القرن العشرين. فى الخمسينيات ثم الستينيات من القرن العشرين، تعود أيديولوجيا الأخدود لتزدهر- من جديد- بالتحاق الناقد الأدبى سيد قُطب بصفوف الجماعة، وليشغل موقع الرأس المُفكّر فيها، أخذ بذور التكفير عن الأستاذ حسن البنّا وطورها فى نظرية مُتكاملة «الجاهلية المعاصرة» وذهب بيد الإخوان يسوقُهم نحو «استعلاء الإيمان» نحو «العزلة الشعورية» نحو «الصدام المحتوم بين الإيمان والكفر»، طوّر سيد قطب الأركان الرئيسية لفكر حسن البنا، فى كتابه «معالمٌ فى الطريق»، فى الفصل الأول يرسمُ صورة الإخوان على أنهم «جيلٌ قُرآنىٌ فريدٌ». فيه يقول «نحنُ اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلامُ أو أظلم. كل ماحولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيراً إسلامياً، هو كذلك من صنع الجاهلية» وفى الفصل الأخير من الكتاب، يُشيرُ الرجل بأصابعه إلى الطريق، طريق الأخدود الكبير، يسوقُ أتباعه إليه، تحت عنوان «هذا هو الطريق» يُعيدُ تفسير سورة البروج، ويقدم تفسيره لنظرية الأخدود، ويشحذ عزائم الإخوان للمواجهة الفاصلة بين إيمانهم وكفر أعدائهم، يقول «إن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هى فى صميمها معركةُ عقيدة، وليست شيئاً آخر على الإطلاق». والحديثُ مُستأنف. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة