أخي وتوأم روحي ورفيق رحلة العمر/ حمدين صباح مشرق، لا ينقصه إلا صوتك وأنت تقرأ الشعر، وصورتك وأنت تبتسم. اليوم كالغد الذي ننشده، ينفذ كيس من الأمل، فنزرع حقول الوطن بسنابل رجاء لا تعرف الذبول. كما عشنا دوما يا حمدين.. عمرنا وأحلامنا لمصر، نعشق ناسها وترابها، ونناضل من أجل كل ما فيها، ومن فيها. نسكن سجونها قبل قصورها نحمل همها، ونتغزل في محاسنها، ولا نظلبها حارية في سرير الخليفة إذا دعتنا لتحمل المسؤولية نعلن دوما أننا مستعدين، وجاهزين، وقادرين إذا احتاجتنا في الأزمات نلبي.. مواطنين شرفاء، نتغنى بماضيها، نعيش حاضرها ونعمل من أجل مستقبلها. لذلك إذا حطت عليك مسؤولية الرئاسة، فهي ليست إلا حملا ثقيلا ستحمله طائعا ومضحيا وإذا ذهبت لغيرك، فليحمل ما يعينه الله على حمله، وسوف نستمر نحن في طريق الحلم، نعمل ونناضل ونضحي، لأن مصر كما تعاهدنا منذ مقتبل العمر: وطنا وليست وظيفة حقلا ومصنعا وليست كنزا ومطمعا فليقدر الله مايشاء، ومهما كان سنظل أوفياء لعهد الوطن نواصل مسيرة النضال من أي موقع وفي كل مكان. (جمال) هذا نص رسالتي لحمدين في 23 مايو 2012، في اليوم الثاني لتصويت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهي الرسالة التي تتضمن مبادئ حب مصر، والنضال من أجلها، بعيدا عن حسابات السلطة، وأشهد أمام الله أن حمدين ظل طوال عهدي به، مخلصا لهذه الروح الثورية التي تستهدف نصرة أهلنا من الفقراء، وإقامة دولة العدل الاجتماعي، والحرية للوطن والمواطن، والكرامة الإنسانية. ولذلك حزنت بشدة من حملات الهجوم التي تعمدت تشويه التاريخ الناصع لشاب ريفي حر، خرج من بلدته الصغيرة، ليبحث عن مستقبله الشخصي، فاكتشف في القاهرة أن أحلامه الخاصة مرتبطة بحلم كل فقير في الريف وأنحاء مصر، فمزج العام بالخاص، وعاش فارسا للثورة. تفوق في دراسته، وكان زعيما طلابيا، ولما تخرج وعاندته الدولة، قبل وظيفة حكومية صغيرة في هيئة الكتاب، سرعان ما استقال منها، وأسس مشروعا إعلاميا مستقلا، نجح في تكوين جيل إعلامي مختلف، وعاش كما وعدنا على رصيف الدولة، لم يحصل على مغنم، ولم يقايض حلمه بمنصب، وظل وفيا لأول وعد، وأول حلم، يناضل بلا يأس من أجل مصر التي نريدها، وطنا "يحنو" ولا يقسو، يحمي ولا "يفرم"، وطنا يتسع للجميع في محبة وسماحة وسلام. ولهذا، رأيت مع عدد لا بأس به من المصريين أن تكليف حمدين بقيادة مرحلة ما بعد ثورة يناير "ضرورة وطنية" تنقذ البلاد من الاستقطاب الحاد بين فكي "الكماشة" التي حذرت منها دراسات سياسية وتقارير استراتيجية من مختلف دول العالم، حمدين بطبيعته التوافقية، كان حلا ييسر للقوى الوطنية الصاعدة بعد يناير، أن تجد "أرضا واقعية" و"سماء ديموقراطية" لتحديث مصر كدولة عصرية بعيدا عن خطر "الدولة الدينية"، وتكلس "الدولة العسكرية"، فالمشروعين خارج اللحظة التاريخية، وتسلطهما على مصر، يفتح باب اللعنات، وعدم الاستقرار. لكن مصر ظلت تراوح بين المشروعين، كأنهما قدر لا خلاص منه، فقد تعامل الاسلاميون مع ثورة يناير باعتبارها "حصان طرودة"، فأخفوا شعاراتهم، وتسللوا بالحيلة بين الثوار، حتى اكتسبوا الثقة، ولما تمكنوا انقلبوا على الجميع بدافع من إغواء السلطة. وبعد عام من النضال المرير، والضغط الشعبي، تحركت "آلة القوة" التي يمتلكها الشعب، واستجابت لمطالب الجماهير في 30 يونيو، وأنهت حكم الديكتاتورية الدينية الطامعة في 3 يوليو، وفي طريقها لذلك التزمت "آلة القوة" بمجموعة من المبادئ العصرية المحترمة، في مقدمتها: حماية الأمن القومي، والبعد عن دائرة السياسة والحكم، وكان اختيار المستشار عدلي منصور، خطوة مهمة في طريق الدولة المدنية، استفادت من خطأ تشكيل مجلس عسكري أضر صورة الجيش الوطني، وجعله هدفا للمهاترات، والتصارع السياسي، والتراشق الإعلامي. لكن التباينات السياسية العادية في جبهة 30 يونيو بدأت تتحول مع الوقت إلى استقطاب جديد حول فكرة محاربة الإرهاب، وتم استخدام الغباء السياسي لقادة الإخوان وتسويقهم كعدو للشعب، فهم خطر على الأمن والاستقرار، والمستقبل، وكان تفويض 26 يوليو بمثابة "تفاحة الإغواء" التي هيأت للجيش خطيئة العمل بالسياسة، والتفكير في اقتناص الحكم، بحجة الدفاع عن الأمن، مع أن مكافحة الإرهاب لا تقتضي أن يخلع الجنرال "شدته العسكرية" ويرتدي الكرافتة. وفي هذه الفترة المفصلية، صرح حمدين بوعي وطني، وبتقدير للشراكة في ثورة يونيو، أنه لن يخوض انتخابات الرئاسة في حال اتفاق القوى الوطنية على مرشح للثورة، وحتى لو تم اختيار السيسي، فلن يخوض الانتخابات ضده. وبعد زيارة السيسي للسعودية كوزير للدفاع، تقطعت خطوط التواصل مع حمدين وشباب الثورة، وزادت عزلة السيسي داخل دائرة من الوجوه القديمة، وبدأت إجراءات الحكم تمضي بالإملاء والتعليمات من طرف واحد، بعيدا عن تطلعات الشارع، وأسلوب المشاركة والحوار، وكان التغيير الوزاري لحكومة الببلاوي، وخروج أسماء مثل كمال ابو عيطة وحسام عيسى وطاهر أبو زيد وآخرين، إشارة واضحة أن طرفا قويا في كواليس الحكم يدبر أموره بطريقة لا يحتاج فيها إلى وزير يناقش، بل وزير ينفذ التعليمات، والحجة كانت جاهزة دائما: "الإرهاب". ومع إقرار قانون التظاهر، دخل الثوار في مأزق كبير: فالاعتراض الفج قد يعطي الفرصة لزيادة جرعة العنف من الإخوان مستغلين كعادتهم مظاهر الاحتجاج الثوري، والصمت يعني التفريط في مكتسبات يناير! هكذا بدأت جبهة يونيو تتفتت، وتتشتت، وأطلق حمدين أكثر من تصريح لتصحيح المسار، وطالب بتعهدات واضحة من السلطة تجاه الحريات ومنظومة الأجور، وطالب السيسي بتوضيح موقفه من الترشح وإعلان التزامه بمبادئ الثورة إذا أراد ذلك، ولما وجد كل أبواب الحوار مغلقة، قرر أن يستجيب لضغوط شباب الثورة ويخوض معركة الانتخابات، في ظروف عير متكافئة، واشترط على أنصاره توخي اقضى درجة من الحرص في نقد المؤسسة العسكرية، وعدم التعاون مع كل من يرفع شعار "يسقط حكم العسكر"، حفاظا على الدولة مؤسساتها من تربص القوى المناوئة. لم يتخل عن النقد الثوري البناء لأداء الشرطة والتجاوز في مجال الحريات، وطريقة صنع القرار التي تعطي انطباعا سلبيا عن مصر في الخارج، لكنه بدلا من تحيته على نهجه الوطني المحترم، تعرض لحملة هجوم وتشويه، تبدأ من "كومبارس يشارك في تمثيلية"، وحتى "خلايا إخوانية نائمة"، مرورا باتهامات شخصية حقيرة، شارك فيها سياسيون وإعلاميون محسوبون على نظام مبارك، وفاعلون بنشاط داخل الحملات العديدة المؤيدة للمرشح الغامض. وبذل حمدين جهودا كبيرة، لإجراء الانتخابات في جو من النزاهة الديموقراطية، وكان هدذه الأول ليس فوزه الشخصي بالاستحقاق، ولكن تقديم صورة إيجابية عن 30 يونيو للعالم باعتبارها ثورة شعبية ديموقراطية، وليست انقلابا يعكس أطماعا للجيش في معادلة الحكم، فسجل اعتراضه على قرار تحصين لجنة الانتخابات، موضحا أن ذلك يلقي بشبهات جول نزاهة الانتخابات، ثم فوجئت حملته بعقبات أمنية وإدارية لتعطيل جمع التوكيلات، لكنه تغلب على كل العقبات، والهجمات التي وصلت إلى حد تحريف تصريحاته عمدا في صحف كبرى موالية للدولة والمرشح المنافس، ومع بدء التصويت في الخارج بدات الحملات النفسية والإعلامية تكتسح أي موضوعية ونزاهة، وو صلت التجاوزات ذروتها في تصويت الداخل، وعرضت عليه حملته ملفا ضخما عن الانتهاكات يتضمن طرد وضرب أنصاره ومندوبيه في اللجان، بالإضافة إلى القرارات "الترقيعية" التي تستهدف إخراج الانتخابات حسب نتيجة معدة سلفا، تؤكد الشعبية الطاغية، والاكتساح الواضح للمشير، ولما عزف الشعب عن المشاركة في لعبة من فريق واحد، جاء قرار التمديد ليكمل المهزلة! وبنفس الحماس الثوري الذي استخدمه الشباب للضغط على حمدين من أجل الترشح، طالبوه بضرورة الانسحاب، ومارسوا ضغوطا كبيرة نتيجة خبرة مريرة عانوا منها في الواقع المنحاز للقديم، وطلب حمدين مهلة قصيرة للتفكير بهدوء، فهو يدرك صدق مشاعر فريقه، ومدى المعاناة التي تعرضوا لها، وفي الوقت نفسه يدرك حجم المخاطر التي تهدد مصر جراء هذا القرار، وكعادته فضل جمدين مصلحة مصر على مصلحته الفردية، وقال والدموع تختبئ تحت جفنيه: الخطر الذي يهدد تماسك تيارنا الثوري، أهون من الخطر الذي يهدد مصر كلها، سنعلن احتجاجنا بشدة، ولكننا لن نصبح جسرا يعبر عليه المتربصون لضرب استقرار الوطن. لهذا، كنت ومازلت مقتنعا أن حمدين وأمثاله من الوطنيين المخلصين، ضرورة لتطور مصر، فالديموقراطية ليست عنجهية تعبئة الصناديق ب"العتالة" وحشر الناخبين إلى اللجان، والرقص تزلفا وانبهارا وخضوعا لسطوة القوة، لكنها وسيلة لمنح هذا الشباب الواعي حقه في العيش والحرية والكرامة الإنسانية، وهذه المبادئ لا ترتبط بوجود حمدين في القصر، قد يؤدي وجوده إلى تحقيقها بسرعة أكثر، لكن بقاءه في الشارع سيعطي الثوار الشرفاء لتحقيق أهداف ثورتهم باستحقاق شعبي، وليس منحة من حاكم أيا كان، وفي رأيي أن هذا الأسلوب هو الأجدر والأقوى، لأنه سيثبت أن الكلمة والقرار لم تعد في القصر، لكنها في الشارع. فيا شباب مصر ومستقبلها، ويا كل الحالمين بالعدل والحرية والكرامة: لا تيأسوا، ولا تهنوا، ولا تحزنوا، ومهما كان اسم وجسم الحاكم في القصر، يجب أن تعاملوه كخادم للشعب وليس سيده، فأنتم الأعلون وأنتم المنتصرون. [email protected]