ترددت كثيراً قبل البدء فى كتابة هذه السطور، لست ممن يعانون شهوة الكتابة، يحركنى هم عام، يؤلمنى كرب خاص، يدفعنى دفعاً للكتابة، من باب المشاركة لا الوصاية. سبب التردد هذه المرة ارتباط الأمر بالعقائد، عقائد ترتبط بدين الله، وعقائد ترتبط بما يرتضيه الناس، وعقائد يخلط فيها الناس بين ما يرتضونه وبين ما يقتضيه دين الله. كثيرون هم من يريدون المشير عبدالفتاح السيسي، رئيساً للبلاد، آخرون يفضلون ألا يقدم على تلك الخطوة، آخرين يرفضون ذلك تماماً، كثيرين جداً يقفون بين هؤلاء وهؤلاء، أخص حديثى ببعض هؤلاء ممن يريدون المشير السيسي رئيساً، لكم مطلق الحرية فيما تعتقدون، فقط أحسنوا مخاطبة الناس بلين الكلام، لعل هؤلاء المترددين يحسمون أمرهم ويمليون إلى صفكم، وإلا ذهبوا إلى صف آخر عدو لكم. سبب حديثى هذا ما أراه من أجواء تشبه تلك التى سبقت انتخابات الرئاسة عام 2012، تعظيم بعض المرشحين وتقديمهم فى صورة المخلص، الأمر الذى يتعدى ذلك إلى إضفاء هالة من التقديس بل والتأليه أحيان. الأمر الآخر هو أن الرجل البسيط لا يجد غصة فى أن يقول "أهو أنصار السيسي مفرقوش كتير عن أنصار مرسي"، وهى مقارنة مجحفة إلى حد كبير، وإن كانت تستند إلى واقع ملموس. لكن هل سألنا أنفسنا لماذا يتردد مثل هذا الحديث، دعنى أقول لك إننا نشهد فى الفترة ما بعد 30 يونيو، نمو فتاوى وتصريحات لعلماء فى الدين الإسلامى، ربما جاوزها الصواب فى أحيان كثيرة، لعل آخرها ما صرح به العالم الجليل د.سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، فى حفل تأبين شهداء الشرطة، من أن الله ابتعث رجلين كما ابتعث وأرسل من قبل هارون وموسى ما كان لأحد من المصريين أن يتخيل أنهم من رسل الله عز وجل، مستشهدا بقول الله تعالى"وما يعلم جنود ربك إلا هو"، قائلاً: "خرج لنا السيسي ومحمد ابراهيم". ليس الهلالى وحده، فقد أفتى قبله الشيخ مظهر شاهين، إمام مسجد عمر مكرم، بتطليق الزوجة المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين، لأن مصلحة الوطن والدين أهم من المصالح الشخصية. ومن قبله قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الإخوان المسلمين هم الخوارج، الذي ذكرهم الرسول الكريم، حيث إن أفعالهم لا تمت بصلة للإسلام، بل على العكس هم يشوهون صورة الإسلام، موضحة أنهم فاقوا قسوة وجرم التتار.ومن قبلهم قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الإخوان هم خوارج هذا العصر، وقتلى رابعة والنهضة ليسوا شهداء، وأمرهم إلى الله. لحظة واحدة، قبل أن تتهمنى بأننى أناصر الإخوان المسلمين أو غيرهم ممن يجرون بلادنا إلى الفوضى، أقول لك انتظر السطور المقبلة، فبمجرد صدور مثل هذه التصريحات والفتاوى ملأ الإخوان الدنيا ضجيجاً عن تدخل الدين فى السياسة، وهو قول حق يراد به باطل، نعم أتفق معهم فى أنه لا يجب الزج بدين الله فى أمر السياسة، التى تحكمها الأهواء والنزوع إلى السلطة بأى وسيلة، حتى وإن كان دين الله مطية لذلك الغرض. لكن مثلما أرفض هذا الأمر، أوجه حديثى إلى الإخوان وأنصارهم، أين كنتم عندما وصف وجدي غنيم من يعارضون مرسي، بأنهم "فئران وصراصير يعيشون في النجاسة". وعندما قال إن المتظاهرون ضد مرسي "كفار ومجرمين يجب قتلهم". أين كنتم عندما دعا محمد عبدالمقصود، نائب رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، على معارضى مرسي فى حضوره قائلاً: "أسأل الله أن يعز الإسلام وأن يجعل يوم الثلاثين من يونيو عزاً للإسلام والمسلمين وكسراً لشوكة الكافرين والمنافقين". أين كنتم عندما قال الشيخ أحمد عبدالهادي، فى اعتصام رابعة، إن "بعض الصالحين في المدينةالمنورة أبلغه برؤيا أن جبريل عليه السلام دخل في مسجد رابعة العدوية ليثبت المصلين"، وأنه أيضا رأى مجلساً فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، والرئيس مرسي والحضور، فحان وقت الصلاة، فقدّم الناس الرسول ولكن الرسول قدّم مرسي". إن كنت ممن سمع وسكت وصدق ونقل هذا الكلام، وينتقد ما يقال على شاكلة هذا الكلام حالياً، فإنك إذن تذكرنى بقول الإمام الحسن البصرى، عندما قال: "تورعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير"، وهو يذكر موقف مر به عبد الله بن عمر، رضى الله عنهما، أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب، هل يصلي فيه أم لا؟، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: انظروا إلى أهل العراق قتلوا ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (يقصد بذلك الحسين رضي الله عنه) وهم يسألون عن دم البعوضة. وقبل أن تتهمنى بأننى أقف ضد "علماء أجلاء" من وجهة نظرك، أقرأ عليك قول الإمام مالك رضى الله عنه، حيث قال: " كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَرُدُّ إِلَّا صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ " ، قاصداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكونه معصوماً من الخطأ لأنه ما ينطق عن الهوى. فقط أقول لك قف وتفكر وتدبر، لا تأتى بالأمر ونقيضه، لا تفعل الإثم الكبير، وتتورع عن الحقير، إن كنت إخوانياً أو مؤيداً للسيسي، انتق كلماتك التالية بعناية، واعلم جيداً إن الإسلام أكبر وأرقى وأعظم من أن تمثله أنت أو تدافع عنه، وأعظم وأرقى وأكبر من أن يزدريه أحد أو يستخدمه مطية لغرض سياسي. فى النهاية أوجه حديثى إلى الجميع، خلاصة القول، داخل كل طرف، وفى كل حزب، وعلى كل جبهة، من يدرك أنه جزء من لعبة كبرى، ساهم بفاعلية فى إطلاق بدايتها، لترسم ذلك المشهد العبثى، فى سيرك، لا يدرى من عليه إيقافه، ومن عليه كتابة كلمة النهاية فيه، وعندما يدرك أنه جزء من دائرة مفرغة تدور فى مكانها، ويحاول الخروج، سيجد نفسه يدفع دفعاً إلى داخل المعمعة من جديد، وبكل قوة. صدقونى ستكتشفون عند مرحلة ما أنها ليست لعبة، حينها ستندمون على خسارة كل شخص وكل شئ. صدقونى هذا كله لا شئ فى مقابل خسارة أعظم وأكبر..خسارتكم أنفسكم.