بينما تتحرك الأجساد حوله فى محاولة لتفادى المياه المندفعة لفض المظاهرة التى بدأت قبل دقائق، وبينما تنهال هراوات ضباط وجنود الأمن المركزى على الأجساد حوله، وقف «أحمد عبدالرحمن»، 28 عامًا، على الرصيف المقابل لمجلس الشورى حيث تجرى وقائع الفض العنيفة مشاهدا فى دهشة من يرى اشتباكات للمرة الأولى، فى يده اليمنى يمسك بحقيبة جلدية بينما تتنقل يده اليسرى لتسوية وضع نظارته على وجهه أو التماسا للدفء فى جيب الجاكت الجلدى الأسود الذى يحيط بجزعه. كان «أحمد» متوجها لعمله عبر شارع قصر العينى فى اللحظة التى بدأت فيها قوات الداخلية برش المياه وإلقاء قنابل الغاز على عشرات المتظاهرين المحتجين على تمرير مادة دستورية تسمح باستمرار محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، وذلك بعد ساعات من إقرار الرئيس المؤقت عدلى منصور قانون تنظيم حق التظاهر الذى انتقدته الأممالمتحدة ومنظمات حقوقية دولية ووصفته بأنه يسعى لتقييد ومصادرة حق التظاهر والتجمع السلمى. يحيا «أحمد» وحده فى القاهرة بعيدا عن أفراد عائلته المقيمة فى أسوان، هو واحد من عشرات الآلاف من المواطنين القادمين للعاصمة سنويا (لا يوجد إحصاء رسمى ولكن تقديرات للدراسات الصادرة عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية) بحثا عن فرص أفضل فى التعليم والعمل لفقر سوق العمل والخدمات فى المحافظات لاسيما محافظات الصعيد. التحق «أحمد» بالعمل كحارس أمن فى مدينة الرحاب، وفى يوم السادس والعشرين من نوفمبر انتقل إلى قسم قصر النيل ومنه لأحد معسكرات الأمن المركزى ثم إلى سجن طرة بعد أن رفض إنكار احتواء حقيبته الجلدية على سكين فاكهة صغيرة يستخدمها لتناول طعامه خلال فترات وردياته الطويلة. بحسب شهادات ينقلها زواره، لم يعرف «أحمد» شيئا عن مظاهرة مجلس الشورى يومها ولا عن قانون تنظيم التظاهر الصادر قبلها بساعات، ويكشف الفيديو الذى بثه موقع «البديل» لأحداث فض المظاهرة بعد دقائق من بدايتها، عن عدم خبرة واضحه لدى «أحمد» فى التعامل مع الاشتباكات، فقد وقف هادئا يراقب الفض فى فضول ظانا أن أيدى قوات الشرطة لن تقربه باعتباره غير مشارك فى المظاهرة، وعندما تحرك نحو قوات الأمن للتحدث إليهم لوقف اعتدائهم البدنى على المتظاهرات المشاركات ظلت حقيبته الجلدية المغلقة معلقة إلى كتفه وعندما امتدت يده للفصل بين جسد أحد أفراد الشرطة وجسد ناشطة تتعرض للضرب ألقى القبض عليه لتوجه له لاحقا تهمة حيازة سلاح أبيض ويصبح الوحيد الذى لم يُخل سبيله من بين 24 معتقلا على ذمة فض مظاهرة مجلس الشورى. ينتظر «أحمد» الطالب فى الصف الأول الثانوى الزخرفى عرضه فى موعد لم يعرض بعد على محكمة الجنايات بصحبة علاء عبدالفتاح المتهم بالدعوة للمظاهرة، وهذه هى المرة الرابعة التى يسجن فيها علاء بتهمة توجهها له السلطات. لا يعرف «أحمد» المواطن الذى عاش بجوار الحائط إلام سينتهى مصيره، ويصر على تذكير زائريه ومحاميه على أنه تحرى الصدق ولم ينكر امتلاكه للسكين لأنه ظن أن بالصدق نجاته من السجن، لكنه سيظل يذكر أن شهامته فى الدفاع عن المتظاهرات والتزامه بالصدق كانا طريقه إلى السجن لا الحرية. رغم كل الضباب الذى اكتنف المشهد السياسى خلال خمسة أشهر، إلا أن صورة الرئيس المعزول محمد مرسى وهو يقف بين القضبان ليحاكم على التحريض فى أحداث الاتحادية كانت ذات معنى، رئيس ثانٍ آخر يحاكمه المصريون فى أقل من عامين، تاريخ كامل من علاقة الحاكم بالمَحكوم يتغيَّر أمام الناس وعلى شاشات التليفزيون. وبعدها بقليل، بعد شهور من اقتصار التواجد المعارض فى الشارع على التظاهرات المؤيدة لجماعة الإخوان، فإن عشرات من النشطاء والصحفيين وقفوا أمام مجلس الشورى، اعتراضاً على مادة المحاكمات العسكرية فى الدستور، بدا أنهم قد يبعثون صوتاً جديداً فى الشارع. تسلسل زمنى: 1 نوفمبر: «سى بى سى» تعلن إيقاف برنامج باسم يوسف لحين إشعار آخر. 4 نوفمبر: بدء محاكمة الرئيس السابق محمد مرسى بتهمة التحريض على أحداث الاتحادية.. ومرسى يحضر الجلسة ويعلن أنه الرئيس الشرعى ويرفض المحاكمة ونقله إلى لسجن برج العرب بالإسكندرية. 16 نوفمبر: اغتيال ضابط الأمن الوطنى محمد مبروك.. والببلاوى ووزير الداخلية يحضران جنازته. 17 نوفمبر: مقتل 24 وإصابة 28 من الفيوم من عائلة واحدة فى اصطدام قطار بأتوبيس فى منطقة دهشور. 18 نوفمبر: الببلاوى يضع حجر الأساس للنصب التذكارى لشهداء الثورة بميدان التحرير ومتظاهرون يشوهون النصب التذكارى بالتحرير وسط هتافات بالقصاص للشهداء. 19 نوفمبر: توافد المتظاهرين على شارع محمد محمود لإحياء ذكرى محمد محمود أسفرت عن 41 مصابا ووفاة شخص.. ومجهولون يلقون قنبلة يدوية على كمين للشرطة ب«عبود» أدت إلى إصابة 3 أشخاص. 23 نوفمبر: مصر تعتبر السفير التركى شخصا غير مرغوب فيه وتطالبه بمغادرة البلاد وتسحب السفير المصرى من أنقرة. 24 نوفمبر: الرئيس المؤقت عدلى منصور يصدر قانون تنظيم حق التظاهر السلمى. 26 نوفمبر: الأمن يفض مسيرة أمام مجلس الشورى لرفض قانون التظاهر وتلقى القبض على عدد من الصحفيين والنشطاء.. و5 من أعضاء بالخمسين يجمدون عضويتهم لحين الإفراج عن المحتجزين بأحداث الشورى. 27 نوفمبر: محكمة جنايات الإسكندرية تقضى بحبس 11عاما ل14 فتاة من أنصار مرسى عرفوا بفتيات «7 الصبح » بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية.
