لا يحتاج خطاب الرئيس مبارك، أمام المؤتمر السابع للحزب الوطنى، صباح أمس، إلى أن تقرأه فى الصحف، بقدر ما يحتاج إلى أن تراه على شاشة التليفزيون، لأن رؤيته، والحال كذلك، سوف تتيح لك أن تصل إلى معنى محدد فيه، لا تتيحه القراءة التى هى بطبيعتها صامتة! وإذا كان لابد من تقسيم الخطاب إلى جزءين، فهو قد انقسم إلى موضوعين أساسيين، أولهما أولويات العمل فى المرحلة المقبلة، وثانيهما تكليفات الرئيس لحكومة الحزب، وللحزب، وللهيئة البرلمانية للحزب. أما الأولويات فكانت ثلاثاً على وجه التحديد: المزيد من الاستثمار والنمو والتشغيل، ثم المزيد من توسيع قاعدة العدل الاجتماعى، وأخيراً المزيد من تدعيم المشاركة الشعبية! وهى أولويات على كل حال، وكما ترى، لا خلاف عليها، ولا على أهميتها، خصوصاً ما يتصل منها بتوفير فرص عمل للعاطلين! أما التكليفات فكانت ثمانية، بدأت برفع معدل النمو إلى 8% خلال 5 سنوات، وفتح أبواب الرزق للشباب، ثم مرت بالتوسع فى الاستثمارات الصناعية بالمحافظات، وانتهت بالتوسع فى اللامركزية وتعزيز الرقابة الشعبية. وحين تطالع هذا الكلام، فى أى صحيفة حكومية، فسوف لا تجد فيه ما يجب أن تجده، وتلتفت إليه، حين ألقاه الرئيس أمام الحاضرين فى المؤتمر! وإذا كانت هناك حكمة، من وراء تحريضك كمتابع للخطاب، على أن تراه، ولا تكتفى بقراءته، فالحكمة هى أن تتوقف عند المواضع التى صفق فيها الحاضرون لكلام الرئيس، ثم - وهذا هو الأهم - عند المواضع التى لم يصفقوا فيها. فالطبيعى جداً، أن يصفق الذين سمعوا الخطاب فى القاعة، حين أشار الرئيس إلى أن التكليف الأول من جانبه، هو أن يرتفع معدل النمو إلى 8% خلال 5 سنوات. والطبيعى أيضاً، أن يصفق الحاضرون، بحرارة، حين جاء التكليف الثانى، متمثلاً فى النهوض بأوضاع الفلاح المصرى، فقد طال إهمال الفلاح، وطال إهمال قضاياه ومشاكله، ولذلك، فعندما يأتى تكليف رئاسى بوضع الفلاح فى إطار الصورة، فلابد أن يكون التصفيق، بقوة، هو رد الفعل التلقائى. ثم إنه من الطبيعى أيضاً، بالدرجة نفسها، أن يتواصل التصفيق، عندما جاء التكليف الثالث، فى صورة من صور التأكيد على تحسين الأجور، وجاء التكليف الرابع مؤكداً على التوسع فى الاستثمارات الصناعية.. وهكذا.. وهكذا! ولكن.. عندما كان التكليف الخامس يتكلم عن «نقلة فى جودة التعليم الجامعى وقبل الجامعى» لم يصفق أحد، أو أن التصفيق لم يكن بحرارته السابقة، وهذا تحديداً، هو الشىء اللافت للانتباه، الذى سوف تلاحظه، حين ترى الخطاب لحظة إلقائه! لم يصفق الحاضرون، ربما لأن التعليم رغم خطورة أوضاعه، قد جاء فى ذيل التكليفات، وبالتالى، فلا الرئيس كان حريصاً على أن يحركه، ليكون التكليف الأول، دون منافس، بين التكليفات الثمانية، ولا الذين تابعوا الخطاب، من داخل القاعة، وجدوا حماساً للتصفيق أمام ترتيب محزن للتعليم من هذا النوع! لذلك، وأمام ترتيب متراجع للتعليم على هذه الصورة، لا يمكن أن يكون تراجع أوضاعنا، عموماً، من قبيل المصادفة!