لم يكن الشاب محمد عبد الله، ذو ال22 عاما، الطالب في السنة النهائية لكلية الحقوق، يتخيل أن الفكرة التي كانت مجرد خاطر عابر أثناء مشاهدته أحد الأفلام الأجنبية، يمكن أن تجعله مؤسساً لأول ناد من نوعه للمناظرات في مصر، لم يكن الأمر أكثر من طريقة في النقاش لفتت انتباهه، كدارس للحقوق، في نقاشات لهيئة المحلفين والمحامين، أخذ عرض الحجج بها شكل المناظرة، بطرح الآراء بطريقة علمية للوصول للنتيجة النهائية، انتهي الفيلم ليبدأ بعدها في البحث وراء علم المناظرات، الذي حلم بأن يكون هو الثقافة السائدة بين الناس في بلده في حل كل المشكلات. كما يروي عبد الله، بدأ القراءة عن الموضوع، من مصادر مختلفة، كان أغلبها مصادر أجنبية، إلا أنه بالبحث عن تاريخ المناظرات، وتطورها، اكتشف أن لذلك العلم، الذي تصور أنه غربي الأصل، جذوراً أصيلة في التاريخ الإسلامي، تظهر من سير الأئمة، مثل الإمام الشافعي، وأبو حنيفة، وابن حزم، صاحب أحد الكتب المهمة في التناظر، أو ما سماه «علم الكلام»، وله ردود على فقهاء عصره ممن اعتبروه مرفوضا شرعاً، حيث اعتبر المناظرة بالحجج فرضاً ووسيلة واجبة للدعوة إلى الله. عرض عبد الله الفكرة على صديقه المقرب، أحمد المغازي، ليحاولا الوصول إلى طريقة لإنشاء ناد متخصص في المناظرات، يكون هدفه نشر ثقافة التناظر، ويقول المغازي: «تحمست للموضوع بسبب معاناتي من طريقة حوارنا كمصريين مع بعضنا البعض، لا يسمع أي منا للآخر، أو يحاول الوصول إلى مساحة مشتركة، وانتشار أسلوب الحوار المتدني حتى على مستوى الصفوة، بالإضافة إلى هوايتنا المعروفة عنا في التحدث الدائم فيما لا نعلم»، وكان المركز الثقافي الألماني «جوته» هو أقرب مكان لذهن مغازي، بسبب تلقيه دروساً في اللغة الألمانية به، طرح اسمه على صديقه ليذهبا سوياً لمقابلة إدارته، ويفاجأ بترحيب من إدارة المعهد بسرعة لم يتخيلها، ليتم تخصيص مكان لاجتماعاتهما تمهيداً لبدء نشاط النادي. بدأت رحلة التأسيس بالقراءة في مواقع الإنترنت عن كيفية إدارة نوادي المناظرات العالمية، من خلال نماذج لأكثر من دولة، تعرف بعدها على أنواع المناظرات، التي تصل إلى 8 أو 9 أنواع منها: المناظرة الشخصية بين فردين المعتمدة في مناظرات البرامج التليفزيونية، ومناظرات البرلمان بين موالاة ومعارضة، والمناظرات بين فريقين مثل مجموعات المدارس، والتي كانت الاختيار الأمثل للنادي، فبدأ في تجميع كل قوانين التحكيم المستخدمة في العالم، ليستخلص منها ما يصلح للتطبيق، ويترجمها. ثم كانت مرحلة دعوة الأصدقاء، كما يقول عبد الله، بدأت بصديقين إضافيين، وهما أحمد مدحت وأحمد أبوبكر، ثم وصل عددهم ل 7 أعضاء، حتى وصل ل24 عضوا، كانت الدعاية في البداية عن طريق المعارف في الجامعة، ثم استخدموا الإنترنت، ثم كان التقسيم الإداري للمجموعة في لجان، مثل: الموارد البشرية، الإعلام، والموارد المالية. بدأ التحضير لبدء فعاليات النادي، بخطة وضعها الأعضاء، تقضي بأن يتم وضع خط زمني، في الفترة من يوليو2010 إلى أبريل 2011، تتضمن 9 مناظرات، و54 ورشة عمل، يقوم عليها مدربون متخصصون، في التنمية الذاتية، وآداب الحديث والنقاش، لتدريب الشباب من سن 16 إلى 35، بمعدل مناظرة واحدة شهرياً يسبقها 6 ورش عمل بمعدل مناظرتين أسبوعياً، على أن يتوقف نشاط النادي في فترة الامتحانات. وجاء اختيار لجنة التحكيم من النشطاء وأصحاب الخبرة في العمل العام من المدينة، مع اطلاعهم على أساليب التحكيم المستخدمة عالمياً، وقامت المجموعة بعمل اختبارات القبول، التي جمعت بين جانبي المعلومات العامة، والمهارات الشخصية. شملت موضوعات المناظرات السابقة للنادي، التي تمت وسط حضور كبير من شباب الثغر، موضوعات مثل تولي المرأة القضاء، الهوية المصرية والعربية، والرقابة على وسائل الإعلام، وهي موضوعات عبرت في وقتها عن الأحداث الجارية، كمحاولة من النادي لزيادة تفاعل الشباب ومشاركتهم، في الموضوعات المطروحة على الساحة. ويمتد طموح الفريق لتوسيع نشاط النادي، ليمتد للمراكز الثقافية بالمحافظة، ثم الجامعات والمدارس، أسوة بتجارب في دول أخرى مثل الولاياتالمتحدة، التي تجرى بها مناظرات بين طلبة المدارس حول أمور تخصهم، مثل ارتداء الزي الموحد أو الخوذات، ويتم تطبيق قرار الفريق الفائز على كل المدارس، ويرى المغازي، أنها أفضل الوسائل لنشر ثقافة الحوار وتقبل الآخر، منذ الصغر، وهو حلم بعيد المدى، يمكن أن نرى ثماره في المستقبل، برفع مستوى الحوار في الأجيال القادمة، على ما نراه في مناقشات أعضاء مجلس الشعب الحالية، التي ترفع بها الأحذية بدلا من المستندات والحقائق والحجج، على حد تعبيره. أحمد عثمان، أحد أعضاء النادي، يرى أن مشاركته كان لها دور كبير في سلوكه اليومي، وردود أفعاله، حيث أصبح يحلل الموضوعات بطريقة أكثر منطقية، وبشكل أكثر هدوءاً، ويقول عن سبب حماسه للمشاركة في البداية: «تحمست للموضوع، لانزعاجي من الأسلوب المتبع لدينا في المجتمع، بأن صاحب الصوت الأعلى هو صاحب الحق، بينما يمكن أن تحل كل الأمور إذا استخدمنا أسلوب المناقشة والحوار، لأن هناك دائماً أشياء مشتركة بين الناس وبعضهم، يمكن أن تجعلهم يصلون لحلول وسط».