الرجل المصرى مهزوم قدام «مراته وعياله». وذلك سر جديد من أسرار اختفاء الشعب المصرى وانكفائه أمام أى سلطة، فالرجل «المنبطح» أمام أسرته أعجز ما يكون عن المشاركة فى أى فعل أو فعالية. وينطبق هذا التوصيف بصفة خاصة على الرجال المنتمين إلى الطبقة الوسطى، وهى الطبقة التى يرتبط بها التغيير والحراك داخل أى مجتمع. والمشكلة أن نسبة لا بأس بها من «رجالة» هذه الطبقة أصبحوا أسرى فى أيدى زوجاتهم وأبنائهم. فكل حركتهم فى الحياة تصب فى اتجاه «البيت» وليس «الشارع». فالعديد من الآباء مستغرقون فى السعى على أرزاقهم وأرزاق من يعولون ليل نهار. وفى آخر اليوم يضعون ما يربحون فى أيدى الزوجة والأبناء، ولأن الغالبية لا تحصل إلا على القليل فإن غضب الزوجة والعيال عليهم لا ينتهى، ومع استسلام الرجل لهذه الوضعية تراجع دوره وحجم وجوده على المستوى العام، ورغم قناعتى بالدور الاجتماعى والسياسى والاقتصادى المهم الذى يقوم به قطاع من النساء المصريات فى تدوير حركة هذا المجتمع، بل دفع الرجال دفعاً إلى الحركة (مثلما يحدث فى قضايا الثأر فى الصعيد مثلاً)، فإننى أظن– وليس كل الظن إثماً- أن التغيير «رجل»!، حتى فى الحالات التى تنهض فيها المرأة بعبء إعالة الأبناء وبعض رجال الطبقة الفقيرة «المأنتخين فى البيوت»!. وقد دعم من تراجع دور رجال الطبقة الوسطى فى الحياة العامة ذلك السعى الدؤوب من جانب السلطة والمجتمع لتحجيم دورهم مقابل إعلاء دور المرأة، سواء داخل الأسرة أو فى المجال الاجتماعى العام، وقد ارتبط هذا الأمر فى البداية بعدم قدرة الرجل على الوفاء بمتطلبات الأسرة التى يعولها نتيجة ضعف الدخل والارتفاعات المتوالية فى الأسعار، ومع ضعف قدرة الرجل على الكسب والصرف تقلص ذلك النفوذ التاريخى الذى تمتع به نتيجة مسؤوليته الاقتصادية عن الأسرة، وبدأت الزوجة والأبناء فى الاستخفاف به، وربما يكون الرجل قد حاول أن يقاوم هذه الوضعية المهينة الجديدة بعض الوقت، لكن مطرقة العجز عن توفير احتياجات الأسرة كانت تدق رأسه بصورة مستمرة، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى استسلامه لفكرة الخضوع لسيطرة الزوجة والأبناء. وحتى بعد أن تحسنت الأحوال المادية. كذلك لعبت السينما والتليفزيون وغيرهما من وسائل الإعلام دوراً خطيراً فى نشر ثقافة تقوم على فكرة «تسليط المرأة» و«تقزيم الرجل» سواء المنتمى إلى الطبقة الوسطى أو الطبقة الفقيرة، من خلال الحديث المستمر عن المرأة المظلومة أمام الطغاة من الرجال، المرأة التى يحاول الذكور تحجيم أدوارها خوفاً من كشف ضعفهم وتفوقها عليهم. ومن يراجع فيلم «الزوجة الثانية» للراحل صلاح أبوسيف يلاحظ أنه قدم فاطمة «الزوجة الفلاحة» كإنسانة قادرة على مواجهة السلطة الغاشمة «سلطة العمدة عتمان» الذى كان ألعوبة فى يد زوجته الطاغية «حفيظة»، فى الوقت الذى قدم فيه الفيلم شخصية «أبوالعلا» زوج فاطمة كرجل مقهور وعاجز عن مواجهة رغبة السلطة فى تطليقه من زوجته ليترك مهمة المقاومة كاملة ل«زوجته فاطمة»!. والأخطر مما سبق هو حزمة التشريعات التى استحدثتها الحكومة وصب جميعها فى اتجاه تحجيم سلطة الرجل وإعلاء صوت المرأة. وقد شملت هذه الحزمة القوانين المتوالية للأحوال الشخصية والتعديلات المستمرة عليها، وكان أخطرها «قانون الخلع» الذى منح المرأة حق «الخلعان» من زوجها، وبالتالى قلب العلاقة الزوجية رأساً على عقب حين جعل العصمة ضمنياً فى يد الزوجة وليس فى يد الزوج! كذلك فإن ضعف الرجل أمام أبنائه جعله يقبل الإهانات التى تكال له خارج البيت بدرجة أعلى، حين يسأل نفسه باستمرار: ماذا سيكون مصير هؤلاء الأبناء إذا اتخذت السلطة ضدى إجراء بسبب معارضتى لظلمها؟ ويجيب: إن الأمور قد تنتهى بهم إلى التشرد والحاجة «للى يسوى واللى ما يسواش». عندئذ يؤثر «الدكر» السلامة ويقرر عدم التحرك ضد أى ظلم يصيبه فى الواقع، لأن استمرار وجوده فى حياة أبنائه كمصدر لتوفير الاحتياجات أهم وأجدى، حتى ولو كان يمارس سلطته عليهم بمنطق «خيال المآتة»! وكان من الطبيعى أن يعجز صنف النساء اللائى أفلحن فى تأديب الرجل عن تربية أبنائهن على القيم الحقيقية للرجولة، فخرجت الأجيال الجديدة هينة لينة غارقة فى فكرة الاستهلاك (كل على حسب طاقته المالية)، لا ترى فى الحياة إلا وجه المتعة، والأخطر من ذلك أن الكثير من الذكور الجدد أصبحوا يرضون بفكرة العيش بلا كرامة، فالمهم هو تحقيق الغايات حتى ولو جاء ذلك على حساب المبادئ، فليس عيباً أن تغش فى سبيل الحصول على الشهادة، وليس إثماً أن تحنى رأسك أمام أى سلطة حتى تنال المكاسب، ومن البديهى أن تكون النتيجة المترتبة على ذلك هى ثبات الأوضاع فى الواقع المعيش بسبب حالة «الغُلْب» التى أصابت الرجل فى البيت فجعلته «مغلوباً على أمره» فى الشارع! [email protected]