وافق مجلس الشعب، هذا الأسبوع، على تجديد تفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون، فى مجال الإنتاج الحربى، ثلاث سنوات أخرى! ولأن التفويض قد جرى تمريره فى البرلمان بسرعة البرق، ولأن 318 نائباً من أصل 454 عضواً فى المجلس، وافقوا عليه دون نقاش، فإن الأمر قد وجد بسهولة من يبرره، ويدافع عنه وربما يزينه فى عيون الرأى العام! وقد تبين أن البرلمانات المتعاقبة، فى هذا البلد، تجدد التفويض، تلقائياً منذ عام 1974، دون أن يفكر أى برلمان منها، ولو مرة واحدة، فى أن يناقش المسألة بموضوعية واجبة ولو من باب ذر التراب فى العيون، وإنما كان الموضوع يمر طوال 36 عاماً على طريقة «الموافق يتفضل برفع يده.. موافقة»!!.. وهى طريقة أدت وتؤدى إلى تفريغ البرلمان، من مضمونه الحقيقى وتجعله مجرد ديكور لا يقدم ولا يؤخر، وإنما هو فى حقيقة الأمر يؤخر، لأن ألف باء أى برلمان فى أى بلد متطور، أن يراقب إنفاق المال العام، بالقرش والمليم، وأن يتشدد فى ذلك، ويتمسك به، لأن هذا المال العام، مال دافع ضرائب، بما يعنى أنه من جيبى وجيبك، وبالتالى فإن البرلمان بوصفه مجلس «الشعب» نفترض فيه أنه مؤتمن على إنفاق مال هذا الشعب حتى ولو كان جنيهاً واحداً، فإذا به يفرط فى مسؤوليته ويتنازل عن دوره ويوافق دون أن ينطق على تجديد تفويض لا عقل فيه ولا منطق! وقد كان المبرر الجاهز للتمرير أن دعم القوات المسلحة بما تحتاجه من سلاح، كماً ونوعاً، لابد أن يتم فى سرية وبسرعة، وأن تفويضاً من هذا النوع سوف يتيح لرئيس الدولة أن يعقد صفقات سلاح لقواتنا بسرعة وفى سرية حتى يتمكن جيشنا من الدفاع عن بلدنا، فى وقت تتزايد فيه التحديات من حولنا!.. وهو كلام جميل، كما ترى ولكن جماله مهما كان لا يبرر تمرير الموضوع هكذا، دون إحم ولا دستور، أو كأن الثمانين مليوناً فى البلد، ليس لهم عقول يستطيعون أن يميزوا بها، وسوف يكتشف كل واحد فيهم بقليل من الجهد أن ما قيل فى أثناء التمرير، لا ينطلى على عقل طفل! وقد كان النائب محمود أباظة، رئيس الوفد هو الذى بادر باتخاذ موقف محترم، تحت قبة البرلمان، وهو موقف سوف يحسب له، وسوف يوضع فى ميزانه أمام التاريخ، حين قال إن العالم كله قد اخترع وسائل تتمكن بها كل دولة من توفير السرعة والسرية فى عقد صفقات السلاح، وتتوافر مع هذه الوسائل فى الوقت ذاته إمكانية الرقابة من جانب البرلمان على كل ما يجرى إنفاقه فى هذا الاتجاه! وقد انبرى الدكتور زكريا عزمى من جانبه ليوبخ الذين اعترضوا، ويطلب منهم قراءة الدستور، الذى يقر هذا التفويض، ثم قال الدكتور زكريا، عضو المجلس، ما معناه أن تجديد التفويض ليس جديداً، وأنه يتم من زمان، وأنه متفق مع الدستور، وأنه.. وأنه.. إلى آخره.. فكان الدكتور زكريا بكلامه هذا ممثلاً للسهل الممتنع، أو الممتنع السهل، لا أعرف!! وكأن ما فى الدستور، بخلاف هذا التفويض، لا يكفى الدكتور زكريا.. أو كأن الدكتور زكريا لا يعرف أن الدستور ينص على أشياء كثيرة ليست معقولة، ولا هى مقبولة بأى معيار! وبطبيعة الحال، فإن أى مواطن ليس ضد أن تكون قواتنا المسلحة على أعلى مستوى ممكن فى العالم كله، وليس فى المنطقة وحدها، وبطبيعة الحال أيضاً، فإن كل مواطن لديه استعداد لأن يضحى فى سبيل دعم قواتنا المسلحة، ليس فقط بما فى جيبه، ولكن بروحه نفسها، ولا أحد ضد أن يسارع الرئيس بتوفير حاجة الجيش وزيادة.. فكل هذا مفروغ منه، ولا جدال فيه، ولكننا نتكلم فى أصل وظيفة البرلمان، الذى قام فى الأساس ليراقب إنفاق أى مبلغ من المال العام، أياً كان حجمه، وأياً كان الاتجاه الذى سوف يجرى إنفاقه فيه، وإذا لم يمارس البرلمان هذه الوظيفة، التى هى أساس وجوده، فما مبرر الوجود أصلاً، ولماذا لا نلغيه، ونعهد بكل وظائفه إلى الرئيس الذى سوف يكون مؤتمناً بالفعل، على المال العام! يحرص البرلمان عند تشكيله كل خمس سنوات، على صورته، بحيث يكون فيه 50٪ عمالا وفلاحين و50٪ فئات.. أما كل ما عدا ذلك، فليس له أدنى حساب ولا اعتبار، لنجد أنفسنا فى النهاية أمام مجلس شعب، ليس للشعب فيه أى نصيب، وليس فيه أى مضمون!