بدأت أحزابُ الوعود تطلق مندوبيها في الشوارع المصرية لاستغلال فرصة تلك الموسم الذي يعلن في جميع وسائل الإعلام المهتمة بهذا الشأن سواء كانت محلية ودولية وعالمية، وكأنها بيعة قصر هارون الرشيد يروّج لها، يعلن عنها كل (5) أعوام. وبعد أن تقدر لها الميزانية الخاصة، يتم طرح المزاد الذي تباع فيه وتحديد السعر الذي يبدأ به دق جرس المزاد، ولكن التجار البلهاء الذي يخاطرون بأموالهم ويظنون في الفوز بتلك البيعة لا يعلمون أن هذا المزاد صوري مجرد حبر على ورق، وأن له تجاره من قبل تشكيل هيئة التحكيم الذين بيع لهم من قبل أن يتم الإعلان أصلاً وفصلاً. ولم لا وهي صفقة كبرى يضرب فيها بيد من حديد؟! فإن تجرأ أحدنا مستفسرًا بحسن نية: مَن الذي حدّد تلك البيعة؟ فإذا به في لحظة واحدة يبحر في الفضاء الأسود، ذلك المكان الهادئ الجميل الذي تتشابه كل ألوانه، والذي نتمنى ألا نراه جميعًا. وإذ بأيد غير ناعمة تطبع قبلة شديدة القوى على رقبة هذا السائل إكبارًا وتعظيما لما سأله، وإذ بوسائل الإعلام تحدث أخبارها – بعد وقت قصير – أن هذا السائل المشترك في المزاد قد تمت رشوته لكي ينسحب من المزاد ليساند شخصًا آخر مضاد لهم؛ من أجل أن تبصر عيون الناظرين الأوهام وهي أن جميع المشتركين يجتمعون في فئة واحدة، وكأنها حقيقة، وما على الشعب إلا أن ينتظر مَنْ تختاره تلك الفئة لتعقد عقد زواج على الشعب العروس على الطريقة الكاثوليكية، تلك العروس التي لا ترد يد خاطب جبرا عنها وقهرا منها، ويكأنها تباع وتشترى، ومن يدفع أكثر يحمل عروسه المسكين بين يديه ويدخل بها إلى فراش الحياة. ثم ما تلبث وتوزع أوراق على المصوتين باسم التجار، يسرد كل تاجر فيها خدماته ووعوده إن حصل على الصفقة وربح البيع، وتزدحم كل ورقة بالشعارات البراقة، ويعرض التجار بأنفسهم تلك الخدمات؛ كل ذلك من أجل الحصول على الصفقة؛ فيتسابقون يخطبون ود الجماهير المشتركة؛ وما أن يظن أحد الشاخصين المصوتين أنه كلام حقيقي وليس ضربا من خيال ولا محال؛ إنما هي أقوال تتبعها أفعال، ألا ترى ثرواتهم كالجبال؟ فما يمنعهم عن تقديم تلك الخدمات، أكيد الكلام ده حقيقي مش زي كل مرة، ذاك كان لسان حال أحد المصوتين؛ فإذ بالأخير يرفع ورقة كان قد سجل بها احتياجاتها يلوح بها عند اللزوم، رافعا صوتا ظانًا أن أحلامه وأمانيه ستتحقق على يد واحد من التجار: مين دا اللي هيخدمني؟ بهت المشتركون؛ إذ لم يظنوا أن يطالبوا بتنفيذ الخدمات بتلك السرعة، يتشجع أحدهم ويأخذ تلك الورقة التي تحمل طلبات الخدمات؛ يسعد الشعب المسكين ويفرح، أخيرًا سيجد من يعطيهم حقهم وينفذ مرادهم ويفرق قسمتهم بالحق. وانتهى التصويت سريعًا، وغلقن الأبواب، ووضعت علامات [ممنوع الدخول]، ويفاجئ الجميع بنتيجة التصويت للبيعة؛ فلقد نالها مرشحنا، فيقبل عليه المصوتون، فيطوي التاجر فرح جناحه ويبسط جناح الحزن سريعًا عندما أقبلوا عليه مرة أخرى ، فإذا به يرفع لوحة كبيرة وبخط واضح للقريب والبعيد كتب عليها [ لا توجد خدمات ووظائف]. ويبدأ المصوتون قديمًا المظلومون حديثًا يلقون أوراق طلباتهم لتطير في الهواء مبعثرة؛ لقد كانت تنتظر ختما صغيرا من أحد المسئولين، ولكن هيهات، يكفيهم أختام ذلك التاجر الشاطر الذي رفع شعارات الخدمات ونصب راية الأحلام في بداية صفقته. ثم ما يلبث أن يرفل في ثياب الكبرياء ويتحصن بسيف الصفقة (الكرسي) بعد أن نال مراده. هذا هو وضعنا، فلماذا لم يوجد لدينا قانون يسمح لنا بإحالة ذلك التاجر لمحاكمة شعبية واجب تنفيذ أحكامها؟ّ كم أتمنى أن يصل إلينا إسعاف الإنقاذ سريعًا، حتى لو كانت كلمة [إسعاف] سرابًا، وأتمنى سريعًا أن اعرف قبل ان تكثر الاختام : مين دا اللي هيخدمني وليس يختمني ؟!