اندهشت من إعلان الإمام الاكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الجديد أنه لا ينوى الاستقالة من الحزب الوطنى، ولا يجد تعارضاً بين موقعه الجليل وانتمائه الحزبى، وكنت أتوقع أن يكون قرار الاستقالة أول ما يقدم عليه الشيخ فور علمه بقرار تعيينه. لا يليق أن يكون الإمام الأكبر «حزبياً» وعضواً فى أمانة السياسات بالحزب الوطنى، ويحضر اجتماعاتها مثل جميع الأعضاء، وهو إمام المسلمين، ومرجعية أهل السنة فى العالم الإسلامى كله، أو هكذا نتمنى لشيخ الأزهر. لن أتوقف طويلاً أمام قبول الطيب من الأصل عضوية الحزب، وهو المفتى ورئيس الجامعة والفقيه، ولا أمام قبول أى رجل دين للحزبية والعمل الحزبى، لكن بما أن هذا الفقيه الجليل صار شيخاً للأزهر الشريف، ويدرك تمام الإدراك قيمة هذا الكيان وتاريخه ومكانته، ويعرف قدره جيداً، فلابد أن يؤمن أن وجوده ضمن صفوف الحزب الحاكم بهذا الشكل التنظيمى، هو انتقاص بالغ من مكانة شيخ الأزهر، وإساءة ما بعدها إساءة لقدره، وتأكيد على أن ما يطرحه الطيب من آمال للأزهر، هى مجرد أحاديث إنشائية، لأن مكانة الأزهر فى مصر والعالم الإسلامى لن يستعيدها إمام حزبى بأى حال من الأحوال. الإساءة ليست فى كون الطيب عضواً فى الحزب الوطنى تحديداً، وإنما تكون لعضويته فى أى حزب أو تنظيم سياسى تحركه المصالح المباشرة والمتغيرة والمتقلبة، التى تنتصر للمبادئ حيناً، وتضرب بها عرض الحائط أحايين كثيرة، هذا منطق لا يليق برجل دين عادى يتحرك فى إطار سياق قيمى حلاله بين وحرامه بين ولا يقبل المتشابهات، فما بالك برجل دين يضعه تاريخ من سبقوه ومكانة المنارة الإسلامية العريقة التى اعتلى كرسيها الجليل، كإمام للمسلمين. الطيب يشغل نفسه بزيه، هل يرتدى «العمامة والكاكولا» كجميع من سبقوه، أم يستمر على الملابس «الإفرنجية» التى اعتاده عليها الناس، والمفترض أن ينشغل بتطوير الأزهر واستعادة الكثير من البريق الذى فقده، والاعتراف بهذا الفقد بعيداً عن العبارات الإنشائية والحماسية التى تدغدغ مشاعر الأزهريين. وبريق الأزهر ونفوذه الروحى وتأثيره فى العالم الإسلامى لن يعود إلا بتنوير يكرس وسطيته ومكانته، ويتصدى لمشاكل المسلمين الحقيقية فى العالم، وينفذ بخطابه إلى جوهر الإسلام، بعيداً عن البحث وراء الشكليات، إلى جانب استقلال حقيقى وقدرة على إقناع المسلمين فى مصر والعالم بهذا الاستقلال. لا يليق أن يسمح الإمام الأكبر لأحد أن يستخدمه سياسياً، ولا أن يروج منبره الجليل لسياسات أحزاب، ثم يفكر فى هيبة الأزهر وهو يرتدى عباءة حزبية، فيتحمل خطاياها وسوء تقديرها قبل أن يستفيد من إنجازاتها. إذا كان لابد من الحزب.. غادر المنبر، أو فلنستعد جميعاً لدفن الأزهر فى كتب التاريخ فى ظل إمامتك.. لأن هناك فارقاً كبيراً بين أن تكون إماماً للمسلمين، وإماماً ل«حزب» من المسلمين..! [email protected]