أعلن الرئيس مبارك أنه مرشح الحزب الوطنى، فى انتخابات الرئاسة المقبلة، وانتهى الأمر، وسوف لا يكون هناك مجال، ابتداء من اليوم، ولعدة سنوات مقبلة، للحديث عن التوريث الذى انشغلنا به طويلاً، وكثيراً، إلى الدرجة التى كان الناس إذا عجزوا عن فهم شىء معين - أى شىء - قالوا إنه لابد له علاقة - من نوع ما - بالتوريث! وما هو أهم، اليوم، أن ننتبه بقوة إلى أننا انفردنا، طوال سنوات مضت، بالانهماك الكامل فى مسألة لا مثيل لها فى أى ركن من أركان الدنيا، وهى أننا تركنا كل قضية فى حياتنا، على كثرة ما فيها من قضايا «متلتلة»، وتفرغنا تماماً للحديث عن التوريث، وما إذا كان سوف يتم، وكيف سوف يتم، إذا تم، وهل يجرى الإعداد له من الأبواب الخلفية، أم الأبواب الأمامية، أم من الشباك، أم من تحت الأرض؟! وهكذا.. وهكذا..! وما هو مطلوب منا، فى هذه اللحظة، أن نصارح أنفسنا بعدد «ساعات العمل»، التى تقدر قطعاً بالملايين التى أنفقناها، وأهدرناها، وبددناها، ومعها كل طاقة، وجهد، فى الكلام عن قضية صارت مملة، وسخيفة! كم ساعة من ساعات العمل، بالله عليكم، كان هذا البلد بحكم ظروفه التعيسة، وأحواله البائسة، فى حاجة إلى كل دقيقة، وكل ثانية منها، ولكننا بمنتهى اللا إحساس بالمسؤولية، تجاه بلدنا، ضيعناها فى نميمة دامت سنوات، عن التوريث، وعن طريقته، وشكله، وأسلوبه.. بل وهبابه! كم ساعة، بالله عليكم، راحت هباء، بلا جدوى، وبلا عائد، وبلا فائدة، لا لشىء، إلا لأن أحداً بيننا لم تكن لديه الشجاعة الكافية، لوقف هذا العبث من أوله، والالتفات بدلاً منه إلى التقاط أنفاسنا بالكاد، فى عالم يحيط بنا، يجرى ويقفز، خصوصاً فى تركيا، بينما نحن نتعثر طول الوقت فى التوريث، وأحاديثه، وألوانه، وأشكاله! كم ساعة، بالله عليكم، كان هذا الوطن فى حاجة غير مسبوقة إليها، ولكننا فضلنا أن نقتل ملايين الساعات فى مهاترات استمرت سنوات، لنكتشف الآن، ليس فقط أن «جمال مبارك» مظلوم فى القصة كلها، فهذا شىء أمره هين، وهو ليس موضوعنا على كل حال، وإنما نكتشف أن المظلوم الحقيقى فى الموضوع إجمالاً هو البلد كله، فهو الخاسر الوحيد، الذى أضاع أبناؤه عليه ملايين الساعات من تاريخه، فى الكلام الفارغ، الذى لا حصيلة له بيننا، من أى نوع، فى موقفنا الراهن! لا نهتم أحداً بعينه، فالكل فى حقيقة الأمر مدان تماماً، والكل تقع عليه المسؤولية كاملة عما حدث، حسب موقعه، ومكانه، ومنصبه، ونصيبه من هذه المسؤولية! بلدنا كان، ولايزال، لا يحتمل الانشغال بقضايا فرعية هكذا، ولذلك، فقد كان أول الخاسرين وآخرهم، وكنا - جميعاً - أول المدانين وآخرهم أيضاً!