إستيقظ طفلي البالغ من العمر تسعة أشهر مفزوعاً من نومه يصرخ بلا إنقطاع، السبب الرئيسي و الوحيد و المتكرر هو صوت المؤذن الذي يؤذن لصلاة الفجر بصوته الذي يشبه إلى حد كبير صوت موتور السيارة الغير صالح للإستخدام أو صوت آلة الفوفوزيلا الشهيرة، تحدثت و تحدث غيري الكثيرون مع المسؤولين عن المسجد في محاولة منا لتغيير هذا المؤذن الغير ملائم سمعياً، حاولنا جاهدين إخبارهم و إقناعهم أن المؤذن يحبذ فيه حلاوة الصوت كما كان مع بلال رضي الله عنه، طبعاً بالإضافة إلى تقواه و ورعه و معرفته بأصول الدين، لكن الرد الغريب و العجيب على قلوبنا و عقولنا أنهم أصروا عليه بحجة أن أباه و جده كانا مؤذنان لنفس المسجد و هو أحق بهذه الوظيفة من غيره، لم أكن أعلم أن التوريث موجود هنا ... أيضاً. لا أستطيع أن أنسى شكل وجوههم و هي تمتلئ بملامح اللامبالاة و عدم الإكتراث لمشاعر الجيران من حولهم، هذه الملامح التي جعلتني أفكر جدياً في قطع سلك الميكروفون مهما كانت العواقب وخيمة، لكن في الحقيقة ملامح الامبالاة هذه ذكرتني بموقف آخر لأ أدري إن كان موقفاً هزلياً أم موقفاً مأسوياً، ففي يوم من الأيام كانت واقفاً بأحد كمائن المرور الفجائية و التي كثيراً ما أصادفها و كأنني شخص مرزق، الساعة كانت قد تخطت الواحدة صباحاً " ومحدش يسألني كنت بتعمل إيه في وقت متأخر زي ده؟ "، كنت أستطيع أن أرى من مكاني ظابط المرور و هو يرى بنفسه رخص كل سيارة، و أيضاً كنت أراه يسحب بعض هذه الرخص و يطلب من أصحابها " الركن على جنب "، عندما إقتربت من الكمين طلب الظابط من صاحب السيارة الفاخرة التي أمامي أن " تركن على جنب " و قام بسحب الرخص، عندما كان الظلبط يعاين رخصي كنت أنظر إلى الشاب الممتلئ الذي نزل من تلك السيارة الفاخرة و على وجهه إبتسامة لامبالاة أو عدم تقدير للموقف، الأغرب في الموقف أنه عندما نزل من السيارة لم يتوجه إلى الظابط كما جرت العادة، لكنه إتجه إلى صديق له تم سحب الرخص منه و من نفس الظابط، تبادلا التحية و وقفا يتكلمان قليلاً، لاحظهما أمين شرطة فنادى عليهما بصوت عال " خف رجلك يا ننوس منك ليه ". عدم إحساس بالمسؤولية هو أبسط تعبير يمكن أن يطلق على هذان الشابان " الكتكوتان "، هذا التعبير البسيط في عدد كلماته الكبير في معناه يمكن أن يطلق أيضاً على ذلك الشخص الذي إنكسر محبس المياة العمومي أمام منزله و رفض أن يصلحه لأنه يخص جاره ..... " ما تيجيوا أحكيلكم الحكاية من أولها "، صلوا على حضرة النبي .... زيدوا النبي صلاة ... على بعد شارعين من منزلنا المتواضع إنكسر محبس مياة عمومي أمام منزل " صاحب السيبر اللي أنا واخد منه وصلة "، نتيجة هذا الكسر ثم الإهمال أن منسوب المياه زاد بدرجة كبيرة جعلتها تصل على بعد شارعين " قاطعة عيش " أصحاب المحلات المختلفة، عدم إحساس بالمسؤولية و عدم مراعاة مشاعر الآخرين جعل الجميع بمن فيهم صاحب المشكلة ينتظرون إسبوعين كاملين حتى يضعوا حلاً للمشكلة بعدما إدعى كل منهم أنه مهم في عمله كالدكتور زويل أو " ماجابتوش ولادة " مثل الدكتور البرادعي " و لا بلاش البرادعي ". الكارثة السابق ذكرها بما فيها من عدم مراعاة لمشاعر الآخرين تتماثل تماماً مع ما يفعله سائقي التوك توك في شوارعنا النظيفة ..... جداً، ففي أي مكان صحرا كان أو بستان سوف تجد أن سائق التوك توك قد وضع سماعتان كبيرتان فوق الكرسي أو " الكنبة " الخلفية للتوك توك، سماعتنان قد يفوق حجمها حجم التوك توك نفسه، و وصلهما بتسجيل مستعمل " نص لبة " يعمل على بطارية " نص عمر " ليخرج إلينا صوت " ربع مفهوم "، طبعاً لن أتكلم عن أن هذا السائق " السمّيع " قد جعل الصوت على أعلى ما يمكن و كأنه يريد أن يخبر جميع من في المنطقة البالغ مساحتها 2 كيلومتر مربع أنه موجود يعيش و يتعايش، ليس المهم أن هناك شخصاً مريض يجب أن يكون بعيداً عن الإزعاج، أو طفلاً نام بعد أن " ورّا أمه الويل "، المهم " مزاج " سعادة البيه صاحب التوك توك. أعلم جيداً أن هذا الطفل ربما كان قد سبب مشاكل لأمه حتى ينام ليس لأنه مزعج أو مشاكس أو عنيد، بل لأن درجة حرارته قد تكون مرتفعة و لم يفطن الطبيب المعالج عن سبب إرتفاع درجة الحرارة، فعلى مدار ثلاثة أسابيع كانت تذهب الأم المسكينة إلى الطبيب " اللي كل مرة يزود تمن الكشف "، فيقوم الطبيب بالكشف على الطفل بالسماعة الطبية و يخبر الأم أن طفلها سليم و الصدر سليم و أنه مجرد " دور برد "، بعد أخذ مختلف الأدوية التي وصفها الطبيب ترتفع درجة حرارة الطفل مرة اخرى، تذهب الام للطبيب لتخبره أنها تعتقد أن طفلها يعاني من إلتهابي رئوي، فينظر الطبيب إلى الأشعات التي طلبها منها و يؤكد لها بالفعل أن الطفل يعاني من إلتهاب رئوي حاد، و يبدأ مسرعاً في كتابة الأدوية المطلوبة، تتطلب منه الأم أن يريها على الأشعة مكان الإلتهاب فيشير إلى عظمة الترقوة، تعلم الأم أن هذا الطبيب لا يوجد لديه أي نوع من أنواع الضمير كما أنه يعرف عن الطب ما يعرفه الديك الرومي عن كيفية عمل الملوخية، تصرخ الأم في وجهه و تسأله ما دور هذه السماعة التي يضعها في إذنه ليل نهار إن كان لا يعرف كيف يشخص مرض طفلها فأخبرها " و هو إنت فاكرة السماعة دي بتعمل حاجة " و ألقاها في صفيحة القمامة. و مدام الحديث قد تطرق إلى صفيحة القمامة، فلا يجب أن ننسى صفائح القمامة الوهمية الموجودة في شوارعنا، حيث أنك عندما تلقي كيس القمامة بها سوف تفاجأ أنه لا يوجد بها قاع و أن كيس القمامة قد بعثر على الأرض لتأكل منه القطط وكأنه رزق حلال لها، لذلك لم يكن عجيباً أن أرى مؤذن المسجد المجاور وهو يحاول جاهداً أن يعلق كيس القمامة في مكان عال لا تصله القطط حتى لا تلوث المكان حول المسجد، ثم دخل إلى المسجد ليؤذن لصلاة الفجر ليستيقظ طفلي من جديد. بقلم م / مصطفى الطبجي