أذاع الإعلامى المرموق «عمرو أديب» فى برنامجه «القاهرة اليوم» مساء الأحد الماضى، خبراً يستحق الالتفات إليه والوقوف عند دلالاته، لتعلقه بالحوار الدائر الآن، حول خطة «د. محمد البرادعى» للإصلاح السياسى والدستورى.. خلاصته، أن النشطاء السياسيين الذين اجتمع بهم المدير السابق لوكالة الطاقة النووية فى منزله، سألوه: هل نحن نجتمع بهدف السعى من أجل إصلاح دستورى، أم بهدف دعم ترشيحك فى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟.. فكانت إجابته الواضحة: بل من أجل دعم ترشيحى للرئاسة من دون أن ينافسنى أحد من الحاضرين. وأضاف أن تقدمه للترشيح رهين بأن يثبت الذين دعوه لذلك أن وراءهم رأياً عاماً يؤيد هذا المطلب، بأن يحصلوا على توقيعات خمسة ملايين مواطن يوكلونه للسعى إلى تعديل المواد الدستورية التى تعوق دون ذلك، ثم خفض العدد بعد المناقشة إلى مليونى توقيع فقط، مشترطاً ألا تجمع هذه التوقيعات عبر شبكة الإنترنت لسهولة الطعن فى مصداقيتها، لأن فرداً واحداً يستخدم هذه الشبكة يستطيع أن يوقع نيابة عن آلاف الأشخاص الوهميين، وهو ما لا يرضاه هو نفسه، والمطلوب كما قال توقيعات لأشخاص حقيقيين، تشمل أسماءهم وعناوينهم وأرقام بطاقة الرقم القومى لهم، يجرى توثيقها فى أحد مكاتب الشهر العقارى.. فهو ما يمكّن «البرادعى» من إقامة دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية العليا، لتعديل المواد 76، الخاصة بالترشيح لانتخابات الرئاسة، و77 الخاصة بمدد تولى الرئيس لمنصبه و88 الخاصة بالإشراف القضائى على الانتخابات. الغالب أن الخبر الذى أكد «عمرو أديب» أنه استقاه من مصادر موثوق بها صحيح.. فى ضوء الشواهد التى تؤكد أن «خطة» البرادعى للإصلاح تقتصر فقط على مواد الدستور، التى لها صلة بإجراء الانتخابات الرئاسية والعامة وما يتصل بها، كالرقابة الدولية على هذه الانتخابات.. وأما ما عدا ذلك، مما يطالب الإصلاحيون بتعديله من مواد الدستور، كالمواد الخاصة بالعلاقة بين السلطات، والعلاقة الملتبسة والمتداخلة بين سلطة الرئيس وسلطة مجلس الوزراء باعتبارهما شريكين فى السلطة التنفيذية، فهى ليست واردة لديه على الأقل الآن. ولابد أن هذا الطرح قد أربك وربما أحبط الذين سمعوه من الدكتور «البرادعى».. ليس فقط لأنه كان من بينهم من يفكرون فى خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويأملون فى أن تساهم خطة البرادعى للإصلاح فى إزالة العقبات التى تحول دون ترشيحهم، منهم «أبوالعز الحريرى» و«حمدين صباحى» و«أيمن نور»، ولكن كذلك لأن شرط الجدية الذى بدأ بخمسة ملايين توكيل وانتهى إلى مليونين فقط، يبدو صعباً.. بل ربما مستحيل فى ضوء النتائج المتواضعة للغاية التى أسفرت عنها محاولات سابقة، قامت بها فصائل من المعارضة لجمع مثل هذه التوقيعات حتى من دون توكيل رسمى، فضلاً عن العقبات البيروقراطية التى ستضعها مكاتب الشهر العقارى أمام الراغبين فى توثيق توكيلاتهم. وحتى لو أمكن الحصول على العدد المطلوب من هذه التوكيلات، فإنها لا تجيز للدكتور البرادعى اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا، ليطالب بتعديل المواد الثلاث، ليس فقط لأن الدستور يحدد بنصوص صريحة آلية تعديل مواده، ولكن كذلك لأن المحاكم وحدها هى صاحبة الاختصاص بإحالة أى مادة فى القانون إلى المحكمة الدستورية للطعن فى دستوريتها، ولأن هذه المحكمة تفصل فى دستورية القوانين وتفسر مواد الدستور، وليس من اختصاصها أن تعدل هذه المواد أو أن تنظر فى دستورية الدستور ذات نفسه! أما المؤكد، فهو أن د. البرادعى كان على حق، حين طالب الراعين لترشيحه بألا يخوض أحدهم المعركة منافساً له، إذ ليس من المنطقى فى كل الأحوال أن يخوض المعارضون معركة الانتخابات الرئاسية متنافسين، ومن مصلحتهم أن يحتشدوا جميعاً وراء مرشح واحد يخوض الانتخابات ضد مرشح الحزب الوطنى، يمكن أن يكون ما يحصل عليه من أصوات حتى لو لم يفز بالموقع مؤشراً دقيقاً على حجم المعارضة، والأهم من ذلك أن يخوض هذا المرشح المعركة ببرنامج إصلاح سياسى ودستورى واضح المعالم، يشكل الحد الأدنى المشترك بين قوى المعارضة. وأهم ما ينبغى أن يفعله البرادعى الآن هو أن يصوغ هذا البرنامج، ثم يطرحه للحوار، قبل أن يطلب توقيعات المواطنين المؤيدة له، ليس بتوكيلات فى الشهر العقارى، ولكن على ورقة تحمل اسم المواطن ووظيفته وعنوانه ودائرته الانتخابية، وما يفيد تأييده للبرنامج.. تعلوها صورة بطاقة الرقم القومى الخاص به.. فذلك هو الذى يليق برجل فى حجمه ومكانته.. ولا يجوز له أن يخوض الانتخابات الرئاسية بشعارات غامضة وغير محددة، من نوع: «انتخبونى تجدوا ما يسركم»!