على صفحات هذه الجريدة تراشق قبل أيام قليلة الأستاذ صلاح عيسى والدكتور حسن نافعة فى مثال شيق يضم طرفاً إعلامياً ثالثاً. مربط الفرس ومحور التراشق هو ما نقله الأستاذ صلاح مما زعمه الزميل عمرو أديب فى برنامجه التليفزيونى أن «النشطاء السياسيين الذين اجتمع بهم الدكتور محمد البرادعى سألوه: هل نحن نجتمع بهدف السعى من أجل إصلاح دستورى، أم بهدف ترشيحك فى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟، فكانت إجابته الواضحة: بل من أجل دعم ترشيحى للرئاسة دون أن ينافسنى أحد من الحاضرين». بلغة الصحافة تم وضع هذا الزعم فى صورة «خبر» يستند إلى «مصادر موثوق بها»، وهذا منطلق حاسم يختلف الحكم فى قضاياه كل الاختلاف عن الحكم فى قضايا «الرأى». هذه هى الحجة التى ساقها الدكتور نافعة، وهى حجة فى محلها تستحق الاحترام، مثلما يستحق الاحترام أيضاً موقف الأستاذ صلاح عندما جمعتهما بعد ذلك قناة «أون تى فى» فاعترف بأنه نقل «خبراً» لم يتأكد من صحته. بعبارة أخرى، تبرأ الرجل مما زعمه المذيع، لأنه أحد شيوخ الصحافة المصرية ويعلم تماماً أن ناقل الكفر كافر، وأن القانون لا يحمى المغفلين، وأن البينة فى نهاية المطاف على من ادعى، فإن لم يستطع يكن عليه أن يتحمل مسؤولية ما ادعاه. أما والأمر كذلك، أين يترك هذا زميلنا عمرو أديب؟ سألت الأستاذ صلاح: «بغض النظر عن القناعات السياسية، ألا يحق إذن للدكتور البرادعى أن يرفع قضية على عمرو أديب وعليك؟ ألا يستحق اعتذاراً منكما على الأقل؟» بأسلوبه الساخر المعروف حاول الرجل أن يقلل من شأن الضرر على أى حال رغم وضوحه من وجهة نظرنا فى الإيحاء المباشر (وربما المتعمد) بأن البرادعى إنسان أنانى لا يأبه بالصالح العام وإنما بأطماعه الشخصية وبأن وراءه قطيعاً لا يصلح إلا للامتطاء. ومع كل الاحترام للدكتور البرادعى ولأصدقائه ولأعدائه، فإن المسألة الأهم هى ما وصلت إليه مهنة الصحافة من اعوجاج وتشوه سواء على الورق أو على الهواء، ما دفعنى إلى المطالبة على صفحات جريدة «اليوم السابع» بحبس الصحفى الذى ينشر «خبراً كاذباً» مع الاحتفاظ بحقوقنا جميعاً فى التعبير عن «الرأى» بكامل الحرية، شرط ألا نقدم آراءنا بشكل خادع إلى القارئ أو المشاهد وقد ألبسناها مسوح «الخبر» بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. من تغضبه دعوة كهذه واحد من ثلاثة: إما أنه جاهل بمبادئ المهنة وأصولها، أو أنه كسول لا يريد أن يتعب فى التيقن قبل أن يصيب قوماً بجهالة، أو أنه مغرض يخدع الناس عمداً لغرض فى نفس يعقوب. النوع الأول علاجه الارتفاع بمستوى التعليم والتدريب، والنوع الثانى علاجه الارتفاع بمستوى الإدارة والتحرير فى المؤسسة الصحفية، أما النوع الثالث فلا يصلح لعلاجه إلا سيف القانون. دون ذلك كيف يمكن أن نتوقع أن تثمر جهود الصحفيين الجادين منا فى إصلاح أى شىء إذا كان حالنا نحن غير صالح؟ نعلم أن الدول المتحضرة تجاوزت منذ زمن عقوبة حبس الصحفيين، حتى حين ينشرون أخباراً كاذبة، واستبدلتها بأنواع أخرى من العقوبات. إنها طريقتهم فى علاج ما يطرأ على جسدهم الصحفى من إصابات ومن أمراض طوروا لها أدوية محسوبة، بعد صراع طويل مع واقعهم، دفع الغربيون شلالات من دمائهم قبل أن يستحقوها. إلى أن نكون نحن على استعداد لدفع الثمن نفسه لن يصلح لعلاج الجسد الصحفى فى مصر اليوم إلا الكى الموضعى المباشر بأدوات الحدادين لاستئصال الأورام وتحييد الجراثيم.