أجرت مؤسسة جالوب مؤخراً استطلاعاً يهدف للتعرف على توجهات الأمريكيين إزاء ديانات عدة منها اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية. ومن بين الديانات الأربع، أظهر الاستطلاع أن الإسلام هو الذى يحظى بأعلى صورة سلبية لدى الأمريكيين. فقد قال 53% من المستطلعة آراؤهم إن نظرتهم للإسلام إما «ليست إيجابية إطلاقا» (31%)، أو «ليست إيجابية إلى حد ما» (22%)، بينما قال (58%) مثلاً إن نظرتهم للبوذية «إيجابية بعض الشىء» (38%)، أو «إيجابية للغاية» (20%). وفى حين وصلت الرؤى الإيجابية لليهودية إلى 71% كانت بالنسبة للإسلام 42%. واللافت للانتباه أن رأى الأمريكيين فى المسلمين جاء أفضل فى الواقع من رأيهم فى الإسلام نفسه. فالعينة نفسها التى أظهرت أن 53% لهم موقف سلبى من الإسلام قال 43% فقط من أفرادها إنهم يكنون مشاعر سلبية تجاه المسلمين. ورغم أن الأمريكيين اعترفوا فى الاستطلاع بجهلهم بالإسلام فإن الجهل ليس المتغير الحاسم هنا. فعلى سبيل المثال، بينما قال 63% إنهم «لا يعرفون شيئاً على الإطلاق» أو «يعرفون القليل للغاية عن الإسلام» فإن الذين قالوا الشىء نفسه عن البوذية وصلت نسبتهم إلى 72% ومع ذلك لم يؤد الجهل بالبوذية لموقف سلبى منها. فقد كانت نسبة من يكنون موقفاً سلبياً من البوذية 35% فقط. ولعل هذا التباين هو الذى دعا الباحثين فى معهد جالوب للإشارة فى دراستهم إلى الدور الخطير الذى يلعبه الإعلام الأمريكى كتفسير للموقف السلبى من الإسلام والمسلمين. فقد أوردت الدراسة نتائج بحث صدر مؤخرا جاء فيه أن لهجة الإعلام الأمريكى فى تناول موضوعات ذات علاقة بالإسلام سلبية بمقدار الضعف إذا ما قورنت بموضوعات تتناول المسيحية مثلاً، وأن ثلثى تغطية الإعلام الأمريكى المرئى عن الإسلام تربط بين المسلمين والتطرف. وإذا كان الإعلام الأمريكى هو جوهر المشكلة يصبح السؤال المهم هو: ما العمل؟ وفى الحقيقة فإن أخشى ما أخشاه أن ينطلق البعض بمجرد نشر النتائج الكاملة للاستطلاع لإعادة إنتاج الأفكار القديمة ذاتها من نوع إرسال بعثات «لتحسين صورة الإسلام والمسلمين»، أو إطلاق محطات فضائية خصيصاً لهذا الغرض، فهذا هو آخر ما نحتاجه لأن أدوار الحكومات والمنظمات الحكومية لن تحظى بمصداقية ولن يكون لها تأثير. فالدور الأول هو بالضرورة من نصيب المسلمين الأمريكيين الذين يقع على عاتقهم، كمواطنين أمريكيين، استخدام السبل السياسية والقانونية الأمريكية - وهى كثيرة للغاية - لملاحقة الذين يُشهّرون بالعرب والمسلمين. أما نحن فى عالمنا العربى فكل القنوات الأمريكية تلك التى تُشهّر بنا لها عندنا جمهورها الكبير الذى بإمكانه التهديد بمقاطعتها وسحب اشتراكاته منها، تماماً كما يفعل أنصار إسرائيل حينما لا تعجبهم التغطية. بعبارة أخرى، نستطيع نحن كأفراد ومجتمع مدنى أن نفعل الكثير لمواجهة مغالطات الإعلام الأمريكى إذا ما أخذنا على عاتقنا مراقبة ما يدور فيه ثم الامتناع عن الصمت إزاءه. بالعربى الفصيح، آخر ما نحتاجه هو أن نتحرك بمنطق دفاعى. فالمفتاح ليس فى الانسحاق فى الثقافة الغربية وإنما فى مزيد من الاعتزاز بهويتنا والاستعداد لمواجهة من يُشهّر بنا ومقاطعته. لكن الأهم من كل ذلك هو النهضة الذاتية. فالمجتمعات الناهضة تفرض على الجميع احترام معتقداتها وثقافتها.