مجلس الشعب والحكومة، تعودا على أداء بعض الأفلام طوال الموسم «الدورة البرلمانية»، وسط تصفيق المشاهدين «المواطنين» أحياناً، وغضبهم فى أحيان أخرى، لكن أهم فقرة فى هذه الأفلام، هى تلك التى يشارك فيها الرجل المحترم المستشار جودت الملط، والتى كنت أشارك فيها منذ سنوات بالتصفيق والانبهار دائماً، لكننى تراجعت عن هذه العادة، لأن الفقرة أصبحت مملة، حيث يهاجم الملط الحكومة، التى ترد بيانات وتبريرات غير منطقية، ويرفض رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات التعقيب، ويصفق نواب المعارضة، وينفعل معهم بعض أعضاء الوطنى، وينتهى الأمر بموافقة مجلس الشعب على الحساب الختامى، وسط زخم صحفى كبير ومقالات إشادة كثيرة بأداء الملط. وبنظرة إلى بيان الملط، نجد أن جزءاً كبيراً منه يتكرر كل عام، بداية من اتساع الفجوة بين الإيرادات والمصروفات، وارتفاع الدين العام الخارجى والمحلى، ووجود تجاوزات خطيرة فى استخدام القروض والصناديق الخاصة بالهيئات والمؤسسات المختلفة، وتضارب بيانات الحكومة، وتراجع الصادرات المصرية لأفريقيا، وغيرها من القضايا المكررة، ولزوم الحبكة الدرامية، فلا مانع من أن يصف الملط الحكومة ب«الجزر المنعزلة» -كما حدث فى العام الماضى- أو أن هناك مسؤولين غير قادرين على العطاء، وضعف قنوات الاتصال والرقابة -كما جرى هذا العام- ثم يقوم د.يوسف بطرس غالى، وزير المالية، بالرد من خلال التبريرات المعتادة، مثل ارتفاع الأسعار العالمية، وأن الحكومة ورثت تركة ضخمة من الديون والمشكلات -بالمناسبة غالى كان وزيراً مسؤولاً فى الحكومة وتولى وزارة الاقتصاد، ولم يوضح لنا دوره فى تركة الديون والمشكلات- المهم يستمر غالى فى عرض بعض النظريات الاقتصادية الفلسفية، لينتهى الأمر بذلك وسط حالة جدل فى المجتمع. لكن هناك سؤالاً يفرض نفسه ويراودنى فى كل عام، سواء عندما كنت أنبهر ببيان الملط، أو حتى بعدما أصابنى الإحباط، ولم أعد أهتم به: لماذا يذكر رئيس جهاز المحاسبات كل عام أن الرئيس مبارك نجح بجهوده فى خفض ديون مصر لدى دول نادى باريس، وإلغاء الديون المستحقة للدول العربية.. وهى فقرة ثابتة فى بيان الملط؟ لكن الجديد هذا العام قوله إن المواطن لا يجد أمامه سوى الرئيس مبارك للدفاع عنه وحل مشاكله. وهذا الكلام خطير جداً، ويصب ضد الرئيس، وليس مجاملة له -كما يعتقد الملط- لأنه يكشف أن مصر ليست بها مؤسسات أو أجهزة، وأعتقد أنه لو كان الأمر كذلك، فالمسؤولية الأولى تقع على الرئيس مبارك نفسه، ولا أعتقد أن الملط يقصد ذلك، وبالتالى أزعم أن هذا المشهد سيتم إلغاؤه فى فيلم العام المقبل، مع بقاء كل الفقرات كما هى.. ولا «عزاء للمشاهدين» المواطنين! هذا المقال كتبته فى 15 يناير 2008، وأعتقد أن ما حدث خلال الأيام الماضية لم يخرج عنه باستثناء الاعتقاد الأخير بأن المستشار الملط سيلغى مشهد ذكر الرئيس، لكن رئيس جهاز المحاسبات خيب ظنونى وأقحم الرئيس 22 مرة خلال تقريره الذى أصبح يغلب عليه الكلام السياسى وليس تقييم الأداء، كما ينص القانون مثل «فقدان الثقة بين الشعب والحكومة - وزارة الداخلية تتحمل مشاكل وأزمات بعض الوزارات - بعض المسؤولين لا يعايشون الواقع.. وغيرها»، وهذه الأوصاف يمكن أن يطلقها نائب بمجلس الشعب أم أن تصدر من الجهاز المركزى للمحاسبات دون سرد وقائع أو تعريف لمعايير التقييم فهذا أمر غير مستساغ! عموماً فقد انتهى الفيلم وكل عام وأنتم بخير، وإن كانت الحكومة قد فطنت هذا العام وعقبت على بيان الملط باقتضاب، عملاً بالمثل القائل «التقليب فى النار بيولعها» ومرة أخرى لا عزاء للمواطنين المصريين.