إنه وزير خارجية «تركيا» الأسبق، والرئيس الحالى ل«لجنة الاتحاد الأوروبى» فى البرلمان، وهى لجنة ذات أهمية خاصة على ضوء طموحات الدولة التركية فى الانضمام للاتحاد، وهو أملٌ يتطلع إليه الشعب التركى بشغفٍ وحرصٍ شديدين فى العقدين الأخيرين، ولقد عرفت السيد «يشَّار ياكيش» عندما طلب زيارتى فى مكتبى فى النصف الأول من تسعينيات القرن الماضى وأنا مديرٌ ل«معهد الدراسات الدبلوماسية» التابع لوزارة الخارجية، وكان هو وقتها سفيرًا لبلاده فى القاهرة،فتوطدت بيننا صلاتٌ قوية خصوصًا أنه شديد الاعتزاز بإسلامه، مهتمٌ بالمنطقة العربية حيث خدم فى السلك الدبلوماسى التركى بعدد من عواصمها، كما أنه يتحدث العربية أيضًا، وقد شاءت الظروف بعد ذلك أن نلتقى سفيرين لبلدينا فى العاصمة النمساوية «فيينا»، وهناك تزايدت صداقتنا فهمًا وعمقًا، وعندما أراد أن يقيم لى حفل توديع عند انتهاء مهمتى الدبلوماسية ومغادرتى العاصمة النمساوية عام 1999 حدث فى نفس الأسبوع زلزالٌ مروِّع ضرب بعض المناطق التركية، ووجدت صعوبةً فى إقناعه بإلغاء حفل تكريمى نظرًا للظروف الطارئة الناجمة عن تلك المأساة الإنسانية المفاجئة، وقد تواصلت علاقتنا عبر السنين وتجددت كلما التقينا فى «مصر» أو «تركيا»، حيث سطع نجمه بعد عودته من «فيينا»، حيث جرى اختياره وزيرًا لخارجية بلاده فى فترةٍ شديدة الحساسية وبالغة التعقيد، وحين ترك «يشَّار» موقعه الوزارى تفرغ للحياة السياسية العامة ودخل البرلمان وأصبح عضوًا بارزًا فيه متوليًا رئاسة أبرز لجانه، وعندما رشحته بلاده قبل ذلك – ومنذ عدة سنوات- لمنصب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامى، ورغم أن الحظ لم يحالفه فإننى كنت من أشد المتحمسين له إلى أن تولى المنصب تركىٌ كُفء آخر فى انتخاباتٍ تالية.. إنه «يشَّار ياكيش» الذى استقبلنى فى مدينة «إسطنبول» منذ عدة شهور حيث جرى بيننا حوارٌ طويل وحديثٌ متصل اتسم بالصراحة والوضوح لأن عالمنا المعاصر أصبح زاخرًا بالأحداث الساخنة والتطورات المتلاحقة، ثم جمعنا بعد ذلك المستشار الثقافى المصرى فى «إسطنبول» من خلال الأقمار الصناعية فى ندوة عن «العلاقات المصرية - التركية» بعد عودتى إلى «القاهرة»، ولابد أن أعترف بأننى كلما اقتربت من «يشَّار ياكيش» ازددت يقينًا بأهمية «تركيا» بالنسبة لنا ودورها المحورى فى المنطقة، فهى الدولة المسلمة الوحيدة فى حلف الأطلنطى، وأيضًا الدولة المسلمة الكبيرة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبى، وهى دولة آسيوية شرق أوسطية أوروبية، كما أنها دولة معنية بالصراع العربى - الإسرائيلى، والأوضاع المأساوية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة تحت الحصار خصوصًا فى «قطاع غزة»، لذلك لم يكن غريبًا أن يلعب الأتراك دورًا نشطًا أثناء العدوان الإسرائيلى الغاشم على المدنيين فى القطاع، خصوصًا النساء والأطفال، فى سابقةٍ إجرامية لم تشهد لها العقود الأخيرة مثيلاً، إنه «يشَّار ياكيش» المحب لبلادى والمؤمن بعلاقات تركية عربية قوية، والذى يوازن فى شخصيته بين إرث «تركيا العثمانية» وأفكار «تركيا العلمانية»، وفى زيارتى الأخيرة إلى «إسطنبول» ضمن وفدٍ برلمانى برئاسة رئيس مجلس الشعب لم يكن «يشَّار ياكيش» موجودًا فى «إسطنبول» أو «أنقرة» بل كان فى مهمةٍ معدة مسبقًا خارج بلاده، وعندما كنت أزور قبر «أتاتورك» الرابض فوق الهضبة العليا المطلة على مدينة «أنقرة» تفحصت وجه الغازى «مصطفى كمال أتاتورك»، ولفت نظرى ذلك التشابه فى الملامح بينه وبين صديقى «يشَّار ياكيش» الذى أعتز بصداقته وأثمِّن غاليًا مواقفه المعروفة من قضايا الإسلام والعروبة، وأرى فى الدولة التركية أملاً جديدًا للعرب فى الاتجاه نحو تركيبة شرق أوسطية متوازنة قد تتمكن من تحقيق السلام الشامل والعادل، وقد هاتفنى ذلك الصديق من «أنقرة» ذات يوم يوصينى بأحد أساتذة جامعة «عين شمس» لأنه معنىٌ بالدراسات التركية وتاريخ «الإمبراطورية العثمانية» بما لها وما عليها حتى إنه يكفى أنها غيرت وجه الحياة فى «الشرق الأوسط» و«البلقان»، ودقت جيوشها أبواب العاصمة النمساوية «فيينا» وكادت تمثل تهديدًا قويًا لأوروبا عدة قرون، وأنا أشارك «يشَّار ياكيش» الدبلوماسى والسياسى التركى الأمل فى علاقاتٍ أفضل تربط بين بلدينا، وتخرج بنا من شرنقة الماضى متطلعة نحو آفاق المستقبل، فالدور التركى متزايد الأهمية فى الشرق الأوسط، وله جاذبية خاصة فى تسوية الصراع العربى - الإسرائيلى بحكم اعتدال «تركيا» وعلاقتها القوية بجميع الأطراف.. تحيةً لذلك الشعب شديد المراس الذى جمع بين الإسلام والعلمانية فى سبيكةٍ تستحق الدراسة وتُغرى بالتأمل، وقد أسعدنى أن تصلنى من هذا الصديق التركى الرائع رسالة إلكترونية هذا الأسبوع يمتدح فيها مقالاً كتبناه فى «الأهرام» منذ أيام بعنوان (تركيا: من أتاتورك إلى أرودغان) وعبَّر لى ذلك الدبلوماسى المحنَّك ووزير خارجية بلاده السابق عن أهمية الدور المصرى فى الشرق الأوسط، معتبرًا أن دور «مصر» - كما أقول دائمًا - «شمسٌ لا تغيب، وعطاءٌ لا ينتهى، وقدَرٌ لا مناص منه».