أخيرًا فعلتها «المصرى اليوم»، وخصصت مساحة يومية ثابتة لحملة «من أجل قاهرة نظيفة»، بعد سنوات طويلة من تكدس الزبالة فى كل شوارع مصر وأمام بيوتها ومناور عماراتها، وانتشار مقالب القمامة المفتوحة فى قلب وعلى أطراف المناطق السكنية.. وهى مقالب تشتعل فيها النيران وتنبعث منها الأدخنة على مدار الساعة طيلة سنوات. أخيرًا وبعد أكثر من 10 سنوات من اعتياد الحياة فى قلب القذارة، أدركت «المصرى اليوم» أننا أمام كارثة بيئية وصحية وحضارية، وأن تنظيف القاهرة الكبرى من الزبالة أصبح - للأسف الشديد - مشروعًا قوميًا لا يقل أهمية عن بناء سد عال جديد، أو زراعة 5 ملايين فدان فى الصحراء. لقد تحولت الزبالة المكدسة فى كل شوارع مصر - وفى الأقاليم تحديدًا - إلى فضيحة عالمية، وإلى دليل قاطع ونهائى على ترهل وفساد وإجرام أجهزة الدولة، التى لم تترك شيئًا إلا وحولته لمشروع منتج للرشوة. وقد شهدت القاهرة الكبرى قبل حوالى عشر سنوات بداية اضطهاد المحافظين لشركات النظافة المحلية، وإسناد جمع القمامة والتخلص منها إلى شركات أجنبية، وملأ هؤلاء المحافظون الصحف كذبًا تافهًا عن الإمكانات التقنية والعلمية للشركات الأجنبية، التى اتضح فيما بعد أنها كانت بارعة فى هبش مليارات الجنيهات من جيوب المصريين، ولم يكن لها أدنى علاقة باقتصاديات جمع القمامة ودفنها أو تدويرها فى صناعات جديدة. ولأن أجهزة الدولة لم يعد لها عمل غير الصراع على اقتسام المغانم، فقد اكتشفت بعض الأجهزة أنها خرجت من مولد شركات الزبالة الأجنبية بلا حمص، فراحت تطارد عربات هذه الشركات بالغرامات والمخالفات، لإرغامها على عدالة توزيع الرشاوى، فما كان من هذه الشركات إلا الانصراف عن جمع القمامة والتركيز فقط فى تحصيل رسوم النظافة من الأهالى. وسط هذه الفوضى الإجرامية، عادت الشركات المحلية مرة أخرى لجمع القمامة من البيوت، ولكن معظمها يعمل دون ترخيص من أجهزة الدولة. وتحت وطأة المطاردات المكثفة من موظفى الإدارة المحلية، وقّع الطرفان اتفاقًا غير مكتوب، مؤداه أن يحصل الموظفون الكبار على نسبة ثابتة من الرسوم، وأن تعمل الشركات المحلية على مزاجها، وكانت النتيجة التى نشاهدها يوميًا أن الشركة التى تجمع القمامة من إمبابة تقوم برميها فى شوارع مركز أوسيم، والشركة التى تجمع القمامة من مركز أوسيم تقوم برميها فى شوارع إمبابة. وبعد شهور من تنفيذ هذا الاتفاق الإجرامى، اكتشف رعاة الأغنام أنهم أمام معالف مجانية لأغنامهم، وأصبح طبيعيًا جدًا أن يصحو سكان الضواحى كل صباح على مشهد الأغنام وهى ترعى فى مقالب القمامة المنتشرة بين البيوت. هل تنجح حملة «المصرى اليوم» فى تنظيف القاهرة من الزبالة؟ الحقيقة أن التجاوب المدهش للمواطنين مع الحملة هو الجانب المشرق من الصورة.. ولكن الجانب الآخر منها تشغله عصابات إجرامية من بعض موظفى المحليات، الذين يتكسبون من بيزنس القذارة عشرات أضعاف تكسبهم من النظافة. ولهذا قد نحتاج إلى سنوات طويلة من التركيز على هؤلاء الفسقة قبل أن نصحو على قاهرة خالية من الزبالة. [email protected]