«حين يسمع الناس أو يقرأون عن حكايات مثل «البوشى» الذى جمع عشرات المليارات من الدولارات من «الكبار» المصريين بهدف استثمارها ثم ضاعت عليهم.. لابد أن سؤالا واحدا يخطر ببالهم: كيف يمكن أن يقع الكبار فى مصيدة «الكبار»؟! والحقيقة أن ما أزعجنى فى هذا ليس قصة النصب.. ففى حياتنا قصص كثيرة لا نعرف عنها شيئا، وحكاية البوشى ربما كشفت لمجرد أن بها أسماء لامعة.. لكن ما يزعج هنا هو أن أحدا من المودعين لم يكترث - قبل افتضاح هذه القصة فى الإعلام - بالإبلاغ عنها.. وفضل السكوت والصمت على الرغم من الملايين التى ضاعت، خوفا من الحسد ربما أو خوفا من الشوشرة، أو ربما لأنه فى الواقع حصل على مضاعفات ما أودع بنسب الأرباح الضخمة التى كان البوشى يقدمها لعملائه فى البداية (بعضها وصل إلى أكثر من 1000%). وهكذا فإن البوشى ليس الريان أو شركات توظيف الأموال التى أودت بحياه أسر مصرية كثيرة.. وسقط فيها ضحايا وضعوا تحويشة أعمارهم وحياتهم فى تلك الشركات.. حكاية البوشى مختلفة فقد كانت محاولة لاستثمار فائض من المال فى شركة أوهمت مودعيها أنها شركة استثمار فى البورصة (صندوق استثمار). لكنك إذا استمعت إلى أى قصة حكيت على شاشة التليفزيون عن رجل الأعمال الشهير الذى فقد مليون دولار أو تلك التى خسرت 2 مليون دولار فلن تشعر حقيقة بالتعاطف الشديد معهم، ربما لأنهم هم أنفسهم لا يشعرون بالكارثة.. فهؤلاء «الكبار» أذكياء بل منهم رجال أعمال يفهمون جيدا فى قواعد البورصة والإفصاح، لكنهم سقطوا «بجلالة قدرهم» فى فخ واحد منهم. هل كانت حكاية البوشى قصة نصب مدبر، أم حكاية سوء حظ وخسارة فى البورصة و«الفوريكس» (مضاربة معروفة فى العملة) فى وقت تكبدت فيه شركات العالم أجمع خسائر فادحة وأفلست فيه بنوك ومؤسسات دولية؟! ليس هذا هو السؤال المهم. السؤال الأهم الآن هو الرقابة.. هل قامت رقابة هيئة سوق المال بعملها الرقابى على أكمل وجه؟ الإجابة ستكون أن الشركة التى جمع بموجبها البوشى الأموال ليست مصرية وبالتالى غير خاضعة للهيئة المصرية.. ماشى.. لكن الرجل كان يجمع المال من داخل الشركة المصرية.. فكيف لم تبلغ عنه الشركة؟! حتى لمجرد إخلاء مسؤوليتها تجاه ما يحدث ولو كان قانونيا. ثم كيف يمكن أن يصدق رجال ونساء بهذا القدر من العلم والفهم أن استثمارا حقيقيا يمكن أن يحقق عائدا يصل الى 800% وأكثر، إن لم يكن ذلك فى مخدرات أو سلاح؟ أم أن العائد الضخم قد أعمى الجميع.. فلم يعد المهم وسيلة تحقيقه؟! أحد أصدقائى من العاملين فى السمسرة جاء له البوشى ووعده بعائد 40% فلما سأله كيف سيحقق ذلك.. لم يجب.. ولم يعد إليه البوشى مرة أخرى.. إنه سؤال طبيعى لأشخاص يفهمون فى البورصة وأحوالها!! إن الخوف هنا أن تؤدى هذه القضية إلى الخلط ما بين الاستثمار فى البورصة وعمليات النصب، ولهذا يجب أن يكون للرقابة موقف واضح ومعلن من تلك العمليات ومن قواعد الإفصاح لدى شركات السمسرة. أخيرا تبقى حكاية ملكية وزير الزراعة أمين أباظة حصة فى شركة الأوراق المالية المصرية لتثير الكثير من اللغط.. وتفتح من جديد قضية تعارض المصالح.. فعلى الرغم من أننى شخصيا أصدق فى نزاهة المهندس أمين أباظة وأنه استقال من الشركة عند توليه الوزارة إلا أن ملكيته حصة فى هذه الشركة لا تبدو مريحة.. الأصل فى الحكاية أن كل الوزراء قد باعوا كل ملكياتهم فى الشركات قبل دخول الحكومة.. طبقا لما أعلنوه جميعا.. لكن يبدو أن ذلك ليس حقيقيا.. وهنا يمكن أن يتم استغلال اسم أمين أباظة وأسماء أخرى كثيرة فى عمليات تثير الشبهات. ومادامت مذكرة تضارب المصالح غير ملزمة للوزراء وملقاة فى درج مكتب رئيس الوزراء.. فإن حالات استغلال أخرى ستظهر ولا تستطيع أن تجبر أحداً على إفصاح أكثر. [email protected]