الحب أنواع منها العلاقات الحلوة مع الناس وصدقنى أنه طريق النجاح، ولن أتحدث معك بكلام نظرى لإثبات صحة كلامى، بل حديثى معك سيكون من الواقع عن تجربة شخص أعتبره قدوة لرجال الأعمال والرأسمالية الناجحة.. إنه صديقى الجميل «أنسى ساويرس»، وكنت قد أجريت معه مع مطلع القرن الحادى والعشرين حوارًا بعيدًا عن البيزنس والفلوس، وركزت فيه على حياته الخاصة، وكان انفرادًا صحفيًا من الطراز الأول لأنه لم يتحدث قبله ولا بعده عن نشأته وكيف كانت بدايات ثروته التى أصبحت بعد ذلك إمبراطورية ضخمة، فعائلة ساويرس حاليًا من أغنى العائلات المصرية، والبداية كانت عندما أراد والد «أنسى» تعلية عمارته فى سوهاج المكونة من ثلاثة أدوار وبناء أدوار جديدة تتكون من طابقين، وكان المقاول الذى يقوم بتلك المهمة اسمه لمعى يعقوب، ونشأت بينه وبين «أنسى ساويرس» علاقة صداقة ومودة قوامها الاحترام أسفرت عن تكوين شركة سنة 1950 تحت اسم لمعى وأنسى للمقاولات والعنوان التلغرافى لهذه الشركة اسمه «أوراسكوم» وانطلقت الشركة وكان أول عقد لها حفر آبار للمياه وتركيب «طلمبات» ومواسير فى ثمانية عشر موقعًا بسوهاج وبعدها فازا بعقد أكبر وهو إنشاء محطة مجارى أسيوط وتوالت العقود فى طريق النجاح. وهذه القصة البسيطة تدلك على أمرين.. ربنا وقدرته وحكمته والقدر الذى يلعب دورًا كبيرًا فى توجيه حياة الإنسان، «فأنسى ساويرس» كان فى ذلك الوقت فى العشرين من عمره خريج زراعة، وكان من المفترض أن يعمل فى الأراضى التى يقوم والده نجيب ساويرس بتأجيرها للفلاحين بسوهاج، ويكون مشرفًا عليهم، لكن عقليته كانت تجارية بحتة، وهو يريد العمل فى البيزنس لكن لا يدرى من أين يبدأ حتى التقى، بترتيب من القدر، بشريكه وأستاذه كما يقول لمعى يعقوب وقد تعلم منه الكثير رغم أنه لم يكمل تعليمه لكنه حصل على الدكتوراه من الحياة والدنيا التى عاش فيها، والأمر الثانى يتعلق بالصداقة الحلوة التى نشأت بينهما والحب الذى جمعهما، وليست المصالح وحدها هى التى تحقق النجاح لرجل الأعمال. وأنتقل إلى لقطة ثانية من الحب فى حياة صديقى «أنسى ساويرس».. أنجب ثلاثة فرسان من زوجته السيدة يسرية لوزة.. نجيب الابن الأكبر وقد سماه على اسم والده، وسميح، وناصف آخر العنقود، وأراد تعليمهم أفضل تعليم باعتبارهم ثروته الحقيقية، فأدخلهم جميعًا المدرسة الألمانية بالقاهرة لكن ظروفه فى ذلك الوقت كانت بالغة الصعوبة فى الستينيات من القرن العشرين الميلادى حيث خضع للتأميم، ووضعت أمواله كلها تحت الحراسة ولم يتردد فى الهجرة وسافر إلى ليبيا، وتحمل الغربة أكثر من عشر سنوات من أجل أحلامه لأولاده الذين يحبهم وبالفعل نجح فى تحقيق هدفه، فالابن الأكبر «نجيب» تخرج فى المعهد العالى للتكنولوجيا بزيورخ وهو من أرقى المعاهد بسويسرا، و«سميح» درس الهندسة فى برلين عاصمة ألمانيا، و«ناصف» التحق بجامعة شيكاغو بالولايات المتحدةالأمريكية وتخصص فى الاقتصاد، وهكذا أنفق «أنسى ساويرس» معظم أمواله التى كسبها فى ليبيا على تعليم أولاده، ورأى أن هذا هو الاستثمار الصحيح للغد، وقد صدق رأيه، وهكذا ترى معى أن حبه لأولاده دفعه إلى ترك بلاده وكان يمكنه أن يعيش فى مصر، ويتعلم أولاده ببلادنا، وزوجته «يسرية» تحملت الكثير وهى تعيش وحيدة مع أولادها الثلاثة، لكن حبها لزوجها وأسرتها جعلها تتحمل الكثير، وصدق من قال: «الحب يصنع المعجزات».