يتمنى الدكتور ممدوح حمزة، أن يكون مخطئًا، فيما يتصور أنه يجرى حاليًا، فى منطقة وسط البلد، وألا يكون هناك مخطط من أى نوع، لشراء عمارات المنطقة، تمهيدًا لطمس معالمها فيما بعد، ويتمنى، كما سمعت منه، أن يكون كل ما لديه، حول هذه القضية، مجرد هواجس وتهيؤات! وليس عنده أى مانع، أن يأتى أى خواجة، من أى بلد، ويشترى عمارات المنطقة كلها، ويستثمر فيها، ويربح من وراء ذلك الملايين، إذا كان الهدف هو الارتقاء بمنطقة كانت آية من آيات الذوق الرفيع، فأصبحت نموذجًا على القبح، فى كل متر منها، ومثالاً على التدنى، والسقوط والهبوط. وهو غاضب للغاية، لأنى قلت، صباح الأحد، إنه يصرخ على لا شىء، حين راح ينبه، قبل أيام، فى «المصرى اليوم»، إلى أن هناك ما يشبه المؤامرة، من جانب عدة شركات، تشترى عمارات وسط البلد، واحدة وراء الأخرى، وسط حالة من التكتم الشديد، ويقول إنه لم يكن يصرخ، وإنما كان يوجه صرخة إلى الذين يعنيهم الأمر، لعل أحدًا ينتبه، ويرجو الدكتور حمزة أن يخيب ظنه، وأن يكون قد تصور أشياء غير موجودة! ولكنه، فى الوقت ذاته، يعترض على ثلاثة أشياء، الأول أن الشركة التى تشترى لم تعلن عن مشروعها بوضوح أمام الناس، ولم تقرر أن تشترى، منذ البداية، فى النور، ولم تقل لنا ماذا تريد، وما هو هدفها.. والثانى أن هناك شركة تشترى عمارات فى المنطقة، وتعرض الشراء كل يوم، دون أن يكون لها - على حد تعبيره - مكان، ولا عنوان، الأمر الذى أثار شكوكه، والشىء الثالث أن هناك احتكارًا فى ممارسة الشراء، من جانب شركات محددة، وجهات معينة، دون غيرها! وكنت قد تلقيت خطابًا منه، يشير فيه إلى اسم شركة بعينها، ترسل خطابات إلى أصحاب العقارات فى المنطقة، وتعرض الشراء بأى ثمن، مهما كان حال العقار، وهو يقول إن هذه الشركة، على وجه التحديد، مجهولة الهوية، ولا أحد يعرف مَنْ وراءها، ولا مَنْ هو صاحبها، وهو موضوع محل تحقيق من جهة سيادية عليا، الآن، كما يؤكد الرجل! ولابد أن الخديو إسماعيل، يتقلب فى قبره، حزنًا على ما صار إليه حال وسط البلد، الذى كان قد أنشأه نهاية القرن التاسع عشر على الطراز الباريسى، واختار له ذوقًا معماريا رفيع المستوى، وأراد له أن يكون فرجة طول الوقت، ومتعة بصرية أيضًا، لكل مواطن يذهب ويتمشى، وكل سائح يأتى ليتفرج على العاصمة، فإذا بها الآن، معرض كبير وممتد للأحذية، على أبشع ما يمكن أن ترى معارض من هذا النوع، فى أى بلد، وبعضها لا يبيع حذاء واحدًا فى اليوم، لدرجة أن هناك مَنْ يتخيل، أن محال منها، إنما هى واجهة لنشاطات أخرى! ويوم حاولت حكومة الدكتور كمال الجنزورى، إنقاذ المنطقة، ثم العاصمة إجمالاً من مصيرها البائس، وبدأت بحى البورصة، على أمل أن يمتد التطوير إلى المنطقة كلها، لاحقًا، فالعاصمة بأحيائها المختلفة، وفق مدى زمنى محدد، قالوا إن الهدف هو إعادة الخديو إسماعيل، واسترجاع أيامه فى الحكم والسلطة، فأطيح بالحكومة، لهذا السبب، وأسباب أخرى طبعًا. وتوقف التطوير الذى كان قد بدأ، وعاد التراب يغطى كل شبر، واستقر القبح وتمدد فى أنحاء العاصمة، وصار المرء يخجل، ويستشعر الحياء، كلما قارن بين حال القاهرة، وحال أى عاصمة أخرى، تكون قد نشأت أمس، وليس عمرها ألفًا وعدة عشرات من الأعوام، كما هو حال عاصمتنا! نريد أحدًا يعنيه الأمر، يخرج علينا ليجيب عن سؤال بلا جواب: ماذا يجرى فى وسط البلد بالضبط، وهل يشير ممدوح حمزة، وهو يوجه صرخته، إلى حقائق، أم يعانى من وساوس؟!