جاءت مسابقة مهرجان برلين، الذى اختتم أعماله الأحد الماضى على مستوى الاحتفال بالدورة ال60، ومرور 10 سنوات على تولى ديتر كوسليك إدارته، من أحسن مسابقات المهرجان الدولى الكبير فى السنوات الأخيرة. عرض فى المسابقة 20 فيلماً أغلبها من الأفلام التى ستشغل عالم السينما طوال 2010، وفى تقديرى أن المسابقة شهدت ثلاث تحف وخمسة أفلام ممتازة، وخمسة أفلام جيدة، وسبعة أفلام تقليدية سائدة أو تجارب مخفقة، وهذه نسب لا يطمح أى ناقد إلى أفضل منها. التحف هى: الفيلم الصينى «انفصال.. اتصال» إخراج وانج كيوان آن، الذى توقعنا فوزه فى رسالة الأحد 14 فبراير، وفاز بجائزة أحسن سيناريو، والفيلم الفرنسى «الكاتب الشبح» إخراج رومان بولانسكى، الذى توقعنا فوزه بالدب الذهبى فى رسالة الثلاثاء 16 فبراير، وفاز بجائزة أحسن إخراج، والفيلم الصينى «امرأة ومسدس ومطعم النودلز»، إخراج زانج ييمو، الذى لم نتوقع له الفوز رغم اعتباره من التحف. أما الأفلام الممتازة فهى الفيلم الرومانى «إذا أردت أن أصفر.. سوف أصفر»، إخراج فلورين سيربان، الذى توقعنا فوزه فى رسالة الأربعاء الماضى بجائزة الفيلم الطويل الأول، وفاز بها كما فاز بجائزة لجنة التحكيم، والفيلم النمساوى «اللص»، إخراج بينجامين هيسينبرج، الذى لم نتوقع له الفوز رغم امتيازه، والفيلم الدنماركى «عائلة»، إخراج بيرنيللى فيشر كريستنسن، الذى فاز بجائزة الاتحاد الدولى للنقاد (فبريسى)، والفيلم التركى «عسل»، إخراج سميح كابلا نوجلو، الذى فاز بالدب الذهبى، والفيلم الروسى «كيف أنهيت هذا الصيف»، إخراج ألكسى بوبو جريبسكى، الذى فاز بجائزة أحسن ممثل وأحسن تصوير. أما الأفلام الجيدة فهى: الفيلم اليابانى «النطفة»، إخراج كوجى واكاماتسو، والذى توقعنا فى رسالة السبت الماضى فوزه لأنه ينتمى إلى عالم هيرزوج، رئيس لجنة التحكيم، وفاز بجائزة أحسن ممثلة، والفيلم البوسنى «على الطريق»، إخراج ياسمين زبانيك، والفيلمان الأمريكيان «عواء» إخراج روب إبستين وجيفرى فرد مان، و«القاتل داخلى»، إخراج مايكل وينتر بوتوم، والفيلم الألمانى «صعود وسقوط اليهودى سوس»، إخراج أوسكار روهلر. أصعب مسابقة للتمثيل كان التنافس للحصول على جائزة أحسن ممثل أصعب مسابقة فى مهرجان برلين هذا العام، حيث جرت مباراة ممتعة بين عشرة ممثلين عظام: ثلاثة من الصين هم سيون هونجلى فى «امرأة ومسدس ومطعم النودلز»، ولينج فينج وزيو كاى جين فى «انفصال.. اتصال»، والدنماركيان أندريه لوست فى «اللص»، وجيسبير كريستنسن فى «عائلة»، والسويدى ستيلان سكار سجارد فى «رجل مهذب على نحو ما»، والأمريكى كاسى أفليك فى «القاتل داخلى»، والألمانى موريتز بليبتريو فى «صعود وسقوط اليهودى سوس»، والروسيان جريجورى دوبريا جين وسيرجى بوسكيباليس فى «كيف أنهيت هذا الصيف»، واللذان فازا بالجائزة معاً، وكانا الممثلين الوحيدين فى الفيلم طوال 124 دقيقة مدة عرضه. نهاية أو بداية العالم «كيف أنهيت هذا الصيف»، الفيلم الطويل الثالث لمخرجه الذى ولد عام 1972 فى موسكو، وعرض أول أفلامه «كوكتيبل» فى أسبوع النقاد فى مهرجان «كان» عام 2004، وتدور أحداث الفيلم فى جزيرة روسية فى أقصى الشمال القطبى تعتبر حرفياً نهاية العالم، حيث لا تشرق الشمس فى الصين، ولكنها تبدو فى الفيلم وكأنها بداية العالم أيضاً، فليس هناك سوى رجلين فى محطة للأرصاد الجوية من البداية إلى النهاية، والزمن الدرامى يوم واحد على نحو يحقق، بشكل نموذجى، الوحدات الأرسطية الثلاث «الزمان والمكان والموضوع». سيرجى «دوبريا جين» خبير لم يغادر المحطة منذ سنوات ويشتاق إلى زوجته وابنهما، وبافل «بوسكيباليس» شاب حديث التخرج أراد خوض «مغامرة» العمل فى محطة الجزيرة المعزولة، وكلاهما فى انتظار وصول السفينة التى تعيدهما إلى الحياة فى المجتمع، العلاقة بين الرجلين تعبر عن العلاقة بين الأب والابن، وبين العقل والعاطفة، وبين حكمة الخبرة وطموح الشباب، وبين الحب والكراهية، بل وأحياناً توحى بالعلاقة بين أول أخوين قابيل وهابيل. يذهب سيرجى لصيد السمك وحده، وتأتى رسالة صوتية من المحطة المركزية إلى بافل بأن زوجة سيرجى وابنهما قتلا فى حادث سيارة، ويتردد بافل فى إبلاغه، وعندما يعلم تأتى رسالة أخرى بأن السفينة سوف تتأخر ربما لمدة سنة أخرى، والفيلم الروسى مثل الفيلم التركى من حيث أن كليهما كلاسيكى الشكل، ومن حيث التعبير عن العلاقة بين الأب والابن، والإنسان والطبيعة، وكونهما من سينما الشعر والفلسفة والتأمل، وإن اختلف كل من المخرجين والمؤلفين فى أسلوبه ونظرته للوجود حسب الثقافة التى ينتمى إليها. [email protected]