لم أتردد فى قبول دعوة السفير الناشط حمدى صالح لزيارة دبى، وباقى الإمارات، والتى أجهلها، فمنطقة الخليج كانت دائماً بعيدة عن اهتماماتى، ولا أدرى لماذا؟ مرَّة واحدة، ولليلة واحدة، لتلبية دعوة صديقى الإعلامى اللامع أحمد منصور منذ 6 سنوات كضيف حلقة برنامجه «بلا حدود» بقناة الجزيرة.. يومها وصلت مطار الدوحة الرابعة عصراً، وعلى الهواء ساعتين، وعودة للفندق منتصف الليل.. وفى الصباح جولة وسط المدينة فى درجة حرارة «خمسين»، ونسبة رطوبة 120٪، واكتشفت وقتها أن «قطر» كلها لا تختلف كثيراً عن مدينة بنها أو الباجور، ولا تزيد عنها.. وقبل النهضة التى يتحدثون عنها الآن فى الإمارة الصغيرة! وكعادة الفرنسيين قبل السفر، وهى أن «تقرأ» لتفهم، وتتعرف مسبقاً على تاريخ، وجغرافية، وعادات وتقاليد «البلد» المستهدف، لتتحصَّن ضد الجهل، أو الخطأ فى السلوك.. قرأت أن: «دولة الإمارات» مكونة من سبع إمارات، بالترتيب حسب المساحة والثروة هى (أبوظبى.. دبى.. الشارقة.. رأس الخيمة.. الفجيرة.. أم القيوين.. وعجمان)، بمساحة كلية 78 ألف كيلو متر مربع (أقل من محافظة البحر الأحمر)، وبعدد سكان 1.5 مليون مواطن (350 ألفاً إناثاً مقابل 1.2 مليون ذكوراً)، بالإضافة إلى 4 ملايين عامل وموظف أجنبى (50٪ هنوداً + 35٪ باكستانيين وبنجلاديش، والباقى 15٪ من كل الدول العربية)! «أبوظبى» وحدها تمتلك 90٪ من ثروة البترول والغاز، وهى التى تنفق على كل الخدمات من تعليم، وصحة، وغيره فى كل الإمارات الست، التى اتحدت معها فى 71 بعد 80 سنة من الاحتلال البريطانى، وبحكمة وعبقرية المرحوم الشيخ زايد، بعد أن خلع شقيقه الشيخ «شخبوط» باتفاق مع القبيلة والإنجليز، فالشيخ زايد كان الأكثر تعليماً وانفتاحاً.. (بالمناسبة موضوع «الانقلاب» على «الشقيق» أو «الأب» الحاكم، والاستيلاء على الكرسى هو عادة معروفة لدى شيوخ الخليج)! نعود إلى «دبى».. التى يدهشك فيها ولأول وهلة حجم النشاط العقارى المذهل.. وتتوقف لتتأمل «ثقافة الأبراج العالية».. ناطحات سحاب.. مبانى شاهقة فى كل مكان، وكأنهم فى منافسة عالمية لدخول موسوعة جنيس (للتفاخر) ببناء أعلى برج فى العالم، وأعلى ناطحة سحاب.. وكل شىء مكتوب بالإنجليزية، وبجانبه أو تحته تقرأ الترجمة بالعربية.. وكأنهم يصطنعون حضارة ليست من بيئتنا ولا من تصميمنا، فالمصمم أمريكى أو أوروبى، وحتى العامل بنجلاديشى ولهذا ينتابك الإحساس بأنهم نقلوا قطعة من نيويورك، ولصقوها فوق الرمال! طبعاً هذا لا يقلل من المجهود الرائع، أو من النتائج التى وصلوا إليها، ولكن فى رأيى كان الأهم منها أو معها بالتوازى بناء صناعة وبحث علمى..أما أن يعتمد الاقتصاد كلية على العقارات، والسياحة والخدمات فهذا خطر عظيم.. (الدخل القومى فى دبى 37 مليار دولار «2005»، 25٪ تأتى من العقارات + 35٪ من التجارة والخدمات + 15٪ من تخزين البضائع، والباقى من السياحة و«البترول 6٪»، وبعض الرسوم المخفية)، ولا توجد صناعة على الإطلاق! صحيح أنه لولا الأزمة المالية العالمية لما انكشفت الأخطاء فى التوجهات، ولو ظلت الأمور كما كانت عليه قبلها لظللنا نصفق، ونرفع القبعة.. ولكن «لا تسير السفن دائماً كما نشتهى»! اليوم «دبى» مطالبة بسداد ديونها للأوروبيين، فمن شروط القروض الإنجليزية أنه من حق إنجلترا طلب سداد كامل القروض إذا تعرض اقتصادها لظرف طارئ.. وها هو الظرف الطارئ قد حدث وبنوكها تعانى من قلة السيولة، ولهذا ذهب رئيس وزراء بريطانيا إلى دبى والخليج يطلب نصف تريليون أى 500 ألف مليون إسترلينى.. وفى نفس الوقت كثير من شركات الإعمار هناك شبه متوقفة أو على وشك.. دماك بالسلامة، وحتى إعمار تتحدث عن وقف بعض المشروعات هناك.. فالمدينة اكتظت بالمكاتب والمبانى، ومعظمها الآن غير مؤجر.. مغلقة، والملاك مازالوا مصرين على نفس أسعار البيع أو الإيجار.. والفنادق التى كانت تعج بالسياح بمناسبة مهرجان التسوق هذا الشهر، لا تتجاوز نسبة الإشغال فيها 30 أو 40٪ بعد أن كانت حتى العام الماضى 100٪. والسؤال: ماذا هم فاعلون فى هذه الكارثة؟ طبعاً ستتدخل «أبوظبى»، تدفع الفاتورة، فهى لن تسمح بانهيار أو إفلاس دبى، ولكنها بالقطع ستحصل على «صكوك»، ونسبة فى الممتلكات، و«حصة» فى البنية التحتية، ربما تستردها، بعد مرور الأزمة، ومع مرحلة الانتعاش التى ستحدث حتماً، ولكن ما جرى فى دبى سوف تعانى منه دبى لفترة طويلة! هناك ترى الشرطة علقت على حوائط الجراجات رجاء عدم ترك السيارات بالمطار لمدد طويلة.. بعد أن سافر معظم اللبنانيين والسوريين والعراقيين تاركين سياراتهم بالمطار، لعدم قدرتهم على سداد الأقساط! فى بهو الفندق أتقابل مع البانكير الشهير الأستاذ محمود عبدالعزيز، ونتفق على أن «مصر» بفضل الله، وجهود رئيس البنك المركزى، والمجموعة الاقتصادية، فالأزمة، كما نراها فى دبى، لن تطالنا إلا بقدر ضئيل وغير مؤثر.. وأن الاقتصاد المصرى، والنظام المالى المصرى بصحة جيدة، فهو اقتصاد متنوع، وليس مندمجاً فى الاقتصاد العالمى إلا قليلاً. واتفقنا على أن مصر أمامها فرصة ذهبية لجذب الأموال والاستثمارات بالمليارات، وأن بنوكنا متخمة بالسيولة التى نعجز عن تشغيلها.. وأن مدخرات المصريين تحت البلاطة تظهر وقت أن تحس بالطمأنينة، وبالأمان، وهذا دور الدولة.. فهل تتحرك الحكومة بسرعة وبقوة لتحفيز، وتشجيع الاستثمار. أم تترك المصريين خائفين ومترددين، وفريسة للشائعات؟ [email protected]