يتراجع دور الوطن فى الخارج، عندما يتراجع دور المواطن فى الداخل، فالمال فى الغربة وطن، والفقر فى الوطن غربة.. والدور المصرى لم يتراجع، ومازال الدور المصرى كما هو أربع شقق ومنور.. وهو ما تؤكده اتفاقية «سايكس بيكو» وأغانى المطرب «ريكو» وتحاليل ال«دى إن إيه» وتحريات الشرطة، ولم يعد يشدنا إلى أرض مصر إلا قانون الجاذبية الأرضية.. وأصبح أملنا أن نفتح «باكو» شيبسى فيطلع لنا منه مشروع عملاق، جسمه جسم «توشكى» ورأسه رأس سمكة ويقول لنا شبيك لبيك، فنطلب منه حتة أرض لنقيم عليها حياة ديمقراطية وتحتها جراج.. فالأرض بتتكلم عربى، لكنها بتتوزع بالإنجليزى من الشمال لليمين، وهو ما يقسمنا إلى ناس «كابيتال» تهرب من المطار، وناس «سمول» تهرب من الكمسرى، وينقلنا من عصر النهضة إلى عصر الليمون، ويجعلنا نترك رجل أعمال ليس عنده رصيد فى حسابه ونحاكم مواطناً ليس عنده رصيد فى تليفونه.. ومع ذلك دائماً نمر بمنعطف تاريخى وكأننا نعيش فى مدينة الملاهى.. كان أبى مريضاً بحب مصر وعندما أحضرنا له طبيباً متخصصاً فى طب المناطق العشوائية، فحصه الطبيب وأخبرنا بأنه يمر بمرحلة تاريخية مهمة لذلك عليه أن يرتدى زى الفراعنة.. وعندما سألناه عن حالته، قال الطبيب: «أنا وشطارتى.. يا يموت النهارده يا إما لو مكتوب له عمر جديد يموت بكره الضهر»، فحزنت أمى، لكن محامى الأسرة طمأنها قائلاً: «ما تخافيش حتى لو مات هارجعه بحكم محكمة!»، فغضب الطبيب وقال: «اللى بيروح مش بيرجع.. انت سمعت عن حد هرب للندن ورجع تانى؟» ثم سأله أخى: «إزاى يموت يا دكتور ومفيش مدرس ضربه أو جه جنبه؟»، فأخبره الطبيب بأن والده ولى أمر، ومن حقه قانوناً أن يموت خارج المدرسة، لأنه لا يخضع للحصص الدراسية بل للحصص التموينية.. ثم سألنى الطبيب: «هل والدك خاضع لمظلة التأمين الصحى حتى نعالجه، أم خاضع لقانون الضرائب العقارية حتى نرممه، أم خاضع لقانون الطوارئ حتى نحبسه؟!»، فرد عليه المحامى وقال: «هو خاضع لزوجته!» فسأله الطبيب: «إزاى خاضع لزوجته وبيحب مصر»؟، فقلنا له: «أصله بيحب مصر من وراها وبيقابلها فى طوابير العيش». [email protected]