أنا من المؤمنين تمامًا بأن «قناة الجزيرة» كانت ومازالت فتحًا جديدًا فى الواقع العربى، وانطلاقة مبهرة فى إعلامه، أثرت ومازالت فى أفكار وتوجهات الملايين من الناطقين بالعربية، وضاعف من تأثيرها ارتفاع نسبة الأمية بين شعوب العرب مع انخفاض نسبة الذين يقرأون منهم، وبالتالى صار الإعلام المرئى هو الوسيلة الأهم للحصول على المعلومات.. ولكنى فى الوقت نفسه لا أستطيع أن أنكر أن لهذه القناة أهدافًا خفية وأجندة سرية، يصعب تحديدها أو الإمساك بها على وجه اليقين، بسبب مالديها من قدرة عالية ومتميزة فى الأداء المهنى الاحترافى خاصة أوقات الحوادث الجسام والأزمات الكبيرة كما هو حادث الآن مثلاً على أرض غزة. تتبع القناة سياسة إعلامية غاية فى الذكاء أو بالأحرى الدهاء، إذ تعرض دائمًا وجهتى النظرفى أى موضوع، وتحرص على إظهار أنها تعطى الفرصة للرأى والرأى الآخر بصورة متساوية، وعبر هذا الطريق وباحتراف مهنى رفيع المستوى يدفع الناس فى شتى بقاع الأرض إلى متابعتها، تحقق هذه القناة العديد من أهدافها الخفية وأجندتها السرية التى لا يعلمها إلا اللّه.. ا لمهم أن أى متابع لهذه القناة على درجة بسيطة من الذكاء يستطيع أن يدرك أن واحدًا من أهم أسلحتها لتوصيل الرسالة التى تريدها، لمن تريدهم، هو نوعية اختيار ضيوفها الذين بلا شك تعلم عنهم كل شىء، بما فى ذلك سيرتهم الذاتية ومدى كفاءتهم وقدرتهم على المناقشة والإقناع، ونقاط قوتهم وضعفهم وبالتالى استغلالهم لصالح أجندتها التى تعمل وفقها. ولعل المتابع لهذه القناة يلاحظ أن هناك ضيوفًا مصريين من المحسوبين على الحزب الحاكم المتحكم ولجنة سياساته، يتكررون دومًا.. مثال ذلك شاهدته على هذه القناة ومأساة غزة فى بداياتها، والحديث وقتها على أشده عن تواطؤ النظام المصرى فى العملية الإسرائيلية القذرة ومعرفته المسبقة بها، أو على أحسن الفروض سكوته بطريقة توحى بالرضا عما يحدث لأعضاء حماس الأهم للشعب الفلسطينى الصابر، فاستضافت القناة فى هذا اليوم ذلك الصحفى المعروف بصلاته القوية بأجهزة الأمن التى هى وراء تعيينه فى مناصبه، والذى «يدق» رؤوسنا دائمًا بكلام فارغ يندرج تحت مسمى «إعلام الببغاوات» كما وصفه كاتب فاضل، لأنه لا يخرج عن ترديد لكلام قاله مسؤولون كبار، دون أن يضيف توضيحًا أو مفهومًا جديدًا، وغاية ما يستطيع إضافته هو بعض التلميح والغمز واللمز فى هذا النظام أو ذلك المسؤول بأسلوب «الردح» الشعبى فى حوارى مصر فى زمن ولَّى!! كما استضافت القناة كارثة أخرى. قام الإعلاميون المحترفون بقناة الجزيرة، باستدراجه واستفزازه وتقديمه كمعبر عن رأى النظام المصرى، فسمعت منه عجبًا، وما فهمت منه شيئًا.. فقط يصيح بصوت عال: «اسكت وخلينى اتكلم.. إحنا هنا مصر ولسنا قطر.. إحنا تمانين مليون ودولة كبيرة.. إحنا عندنا ديمقراطية ومؤسسات.. إحنا.. إحنا..»!! ولم يفتح الله عليه بجملة واحدة مفيدة يمكن أن تبيض وجه النظام الذى طغى عليه اللون الأسود بفعل فاعل!! ولمحت المذيعة والمذيع اللذين استضافا الدكتور الذى يعرفانه جيدًا وهما يبتسمان ابتسامة صفراء ذات مغزى وينظران إلى بعضهما البعض ولسان حالهما يقول: «ها قد نجحنا فى صيدنا»!! أيها السادة يا من تؤرقكم قناة الجزيرة.. طهروا صفوفكم من الأدعياء والأغبياء.. وإلا فلا تلومنّ إلا أنفسكم.