عند دخولى إلى مستشفى الشفاء بغزة، استقبلتنى أصوات سيارات الإسعاف مختلطة بصرخات الجرحى، دخلت وأنا أحوقل، فالدماء تملأ أرجاء المكان، نظرات بائسة، وأمهات حزانى، وشباب وأطفال لم يروا من الحياة ما يسرهم، فقدوا جزءًا منهم موتى فى كل مكان، بكاء، وصراخ اختلط برائحة الدماء، لينتج عنه رائحة الموت، أفقت من كل هذا على صراخ سيدة عجوز فقدت ابنها الوحيد الآن، وجدته ملقى فى طرقة المستشفى على كرتون، فسألتها عن السبب قالت لى: لا يوجد مكان له فى ثلاجات الموتى، فألقوه هنا، تركتها فى حزنها وأكملت طريقى فوجدت أناسًا يمزقون القلب من الحزن عليهم، وعلى ما أصاب فلذات أكبادهم، يضربون الأرض بأقدامهم ليجدوا أى طبيب يفيدهم بأى معلومة عن حال أبنائهم، لم أستطع الاحتمال فاتجهت إلى العناية المركزة وجدت فيها ما لا يحتمله بشر من ضحايا القصف، وهناك قابلت والدة الطفلة سمر التى أمسكتنى من ذراعى وهى تبكى على ابنتها سمر ذات السنوات السبع، التى فقدت وعيها إثر سقوط أحد حوائط المنزل عليها إثر القصف الإسرائيلى، ففقدت وعيها وتعيش على التنفس الصناعى وقد بترت ساقها ومن المحتمل أن تبتر الأخرى لإنقاذ حياتها، ورجع لنا الأمل عندما بدأت أنفاس الطفل بيسان سالم تعود إليه بتدخل من جهاز التنفس الصناعى، وإذا بالتيار الكهربائى ينقطع عن قسم العناية المركزة، ليدخل الطفل فورًا فى حالة موت محقق، ولم يملك الأطباء أمامها سوى الضغط على صدره للحيلولة دون انقطاع الأكسجين عنه، وعلى مدار عشر دقائق من انقطاع التيار الكهربائى ومحاولة المستشفى تشغيل مولدات الكهرباء، بقى الطفل بيسان تحت رحمة يد الطبيب بدلاً من الجهاز، فيما يتقطع قلب والدته حرقة وخشية من أن يكون طفلها فى احتضار لروحه. وعندما طلب منى الأطباء الخروج ذهبت لمقابلة مدير المستشفى الذى قال لى إن حال المستشفى سيئ للغاية، فعدد المصابين أكثر من أن يحتمله المستشفى، فهناك نقص فى الأدوية والأسرة حيث يوجد بالمستشفى 600 سرير والمصابون الآن الموجودون بالمستشفى 1800 وكما ترين فالجرحى يفترشون الطرقات، وصرخاتهم تملأ أرجاء المكان فهل تفيق هذه الصرخات القلوب المتحجرة؟ فأهل غزة ليس لديهم الشعور بالأمان، أبسط الحقوق الإنسانية.. انتبهت من غفوتى.. فقد كان ما سبق ما دار فى مخيلتى نتيجة اتصال صديقة بى كانت هناك! مروة رسلان - المنيا