لابد أنك مع مجىء سنة جديدة قد تذكرت أغنية كامل الشناوى الشهيرة وهو يقول فيها «جئت يا يوم مولدى.. جئت يا أيها الشقى»، فليس معنى أنها تتكلم عن يوم مولدك أن تتذكرها فى يوم عيد ميلادك فقط، وإنما طلوع عام جديد عليك هو عيد ميلاد جديد لك دون أن تدرى، ولو أنك حاولت أن تتأمل وجوه الاختلاف حولك بين عام مضى وعام جاء، فربما تكتشف أنه لا جديد سوى أنك تتقدم فى العمر! وهناك قطعاً من راح يرجم السنة القديمة كما يرجم الحجاج الشيطان، وكأن الذى يفعل ذلك مطمئن إلى أن العام الذى بدأ أمس هو أفضل مما انتهى! وفى كل الأحوال يبقى عام 2008 عاماً لا يفارق الذاكرة، لأسباب كثيرة منها مثلاً أنه قد شهد تنظيم أول دورة أوليمبية عالمية فى الصين، حيث معقل الشيوعية والاشتراكية معاً، أو التى كانت كذلك، ومنها أن هذه هى المرة الأولى فى العام الماضى التى نتابع فيها حصول اللاعب الأمريكى مايكل فيليبس على ثمانى ميداليات ذهبية مرة واحدة، فى حين فشلت دول بكاملها فى الحصول على ميدالية واحدة من أى نوع!! وفى 2008 كانت المرة الأولى التى يجد فيها مواطن أمريكى أسود الشجاعة الكافية، وربما البجاحة، التى تجعله يرشح نفسه رئيساً للولايات المتحدة، ثم لا يكتفى بذلك فقط بل يتخذ التدابير التى تمكنه من الفوز والوصول إلى البيت الأبيض.. وكانت المرة الأولى فى عام مضى التى لا ننسى فيها مطلقاً أن سيدة قد رشحت نفسها لموقع الرئاسة فى أمريكا، وأنها قد أخذت الموضوع بجدية كاملة حتى كادت أن تصل إلى الحكم فعلاً!.. وكانت المرة الأولى التى يباع فيها جالون البنزين فى أول العام ب 4.6 دولار فى الولاياتالمتحدة ثم يباع هو نفسه فى آخر العام ذاته ب 1.6 دولار!!... وكانت... وكانت... إلى آخر ما لا يمكن أبداً أن ننساه! وليس من الممكن أن ننسى أن الدنيا كلها قد تابعت فى أول العام الماضى ارتفاع أسعار البترول، حتى كادت أن تلامس حدود ال 200 دولار للبرميل الواحد، وتكونت بناء على ذلك ثروات فى الدول المصدرة كالجبال.. وهى ثروات لم يكن أى عقل يتصور حدودها ولا أرقامها، وما كاد العام يقترب من نهايته حتى كانت الأسعار تنهار كأنها بيوت قامت على رمال، وكانت جبال الفلوس التى تراكمت على مدار العام تذوب فى لحظة وكأنها جبل من جليد طلعت عليه الشمس فتحلل وانمحى!! وفى مرات سابقة وعلى مدى عشرة رؤساء أمريكان على الأقل بدءاً من هارى ترومان عام 1948 وحتى الرئيس بوش الابن، كان الرئيس الموجود فى الحكم يظل أكثر شعبية من الرئيس المنتخب، فإذا بأوباما يكسر هذه القاعدة تماماً ويصبح أكثر شعبية بمراحل من الرئيس القائم فى مكتبه البيضاوى.. كانت هذه مرة نادرة فى تاريخ البلاد هناك ربما باستثناء «ترومان» و«أيزنهاور» من بعده فى آخر الخمسينيات وبداية الستينيات! وكنا نحن فى مصر خلال 2008 نراقب كل ذلك من بعيد دون أن يكون لنا فيه فى الغالب نصيب، أو تكون لنا به علاقة، وكانت هناك أزمة غذاء تضرب أنحاء الأرض فى الصيف الماضى وكنا نحن كحكومة نرتبك فى مواجهتها، ونضطر تحت ضغطها إلى أن نتفاعل معها بأسلوب رد الفعل، كالعادة، وليس بأسلوب الفعل المبادر الذى تعرفه حكومات العالم الواعى! وكانت أسعار الطاقة تطلع وتنزل فى العالم كله، فإذا سئل رئيس الوزراء عن السبب الذى يجعلها تنزل هناك ولا تنزل هنا كان الرد الجاهز هو أنها مدعومة عندنا بما يعنى أن لدينا جداراً عازلاً اسمه الدعم يفصل بين الناس وبين حقائق الاقتصاد ومبادئه وأصوله التى يعرفها العالم، وهو جدار يجعل اقتصادنا الوطنى يقف على غير أساس راسخ ولا يستطيع أن يتماسك وحده ويقف على قدميه أمام اقتصادات العالم، ويظل مقطوع الصلة عند الضرورة بكل ما يدور فى أغلب دول العالم المتقدم.. كان عاماً لا ينساه العالم لكل هذه الأسباب وغيرها.. أما نحن على مستوانا فربما ننساه لأننا خرجنا منه كما دخلنا!