بالروح بالدم.. نفديك يافلسطين. بالروح بالدم.. نفديك يا قدس. بالروح بالدم.. نفديك ياأقصى. كم مرة سمعتم هذه الشعارات على مدى 61 عاماً هى عمر القضية الفلسطينية؟ كم مرة هتف المنافقون بهذا الشعار لزعيم أو رئيس، وحينما حلت ساعته انفضوا وتركوه يلقى مصيره وحيداً برصاصة أو بانقلاب ثم كرروه لمن تولى السلطة بعده؟ كلما تردد هذا الشعار، أثق أننا أمام قضية خاسرة نهايتها الفشل.. فهو أكثر الشعارات كذباً ونفاقاً.. ولكنه أكثر الشعارات تعبيراً عن حال الأمة.. أمة تجيد إطلاق شعارات جوفاء لا علاقة لها بالعقل، تعبر عن حالة من الغضب والضيق والانفعال، سرعان ما تزول بزوال المؤثر. وطوال الأسبوع الماضى، انطلق هذا الشعار آلاف المرات فى مظاهرات الغضب العارمة، التى انطلقت فور الهجوم الإسرائيلى الغادر على غزة، ولكن إسرائيل تعرف أننا لا نملك غير هذا الشعار، الذى لا يحرك ساكناً، ولا يردع معتدياً أثيماً، ولذلك لم تتردد لحظة واحدة فى قصف الأهداف التى حددتها مسبقاً ووفق دراسات دقيقة.. وكأننا نأبى أن نتعلم من أخطائنا، فالعرب لم ينتصروا على إسرائيل طوال الصراع إلا مرة واحدة عام 1973، وهى المرة الوحيدة التى استخدمنا فيها العقل والعلم، ولذلك حققنا الانتصار، رغم أن العالم كله كان واثقاً من استحالة إحراز أى نصر ولو محدوداً.. كان الدرس واضحاً، فبالعلم والتخطيط والدراسة الدقيقة ووحدة الهدف يمكن تحقيق النجاح.. ولكن العرب لم يستوعبوا الدرس واعتبروها مرحلة وانتهت، بينما استفادت إسرائيل من الدرس تمام الاستفادة، وفهمت أن العرب - كيان كبير لا يستوعب الدروس ولا يتعلم من الأخطاء ويندر أن يستخدم عقله - يسهل تمزيقهم وتفريقهم وتشتيتهم، ولو كانوا يستطيعون لقامت سوريا مثلاً بأى محاولة لتحرير الجولان ولو حتى أثناء اشتباك حزب الله مع إسرائيل فى 2006، أو أطلقت أى صاروخ طائش على الطائرات الإسرائيلية التى هاجمت الأجواء السورية عدة مرات، وضربت أهدافاً قرب العاصمة دمشق. أجادت إسرائيل اللعبة، وأصبحت لا تحسب أى حساب لأى عربى كلما أقدمت على قصف أهداف فلسطينية يروح ضحيتها عشرات ومئات وآلاف الفلسطينيين.. فرد الفعل العربى معروف ومحفوظ ولا يتغير، مظاهرات هنا وغضب هناك وشعارات غاضبة تقسم بالروح والدم، وما إن تنتهى الهجمة، حتى يعود المتظاهرون للهدوء، وكأن شيئاً لم يكن. لست هنا فى محل جلد للذات العربية، ولكن إسرائيل فى تلك الهجمة الأخيرة – بكل أسف - كانت متفوقة على نفسها وحققت أهدافاً أكثر من مجرد ضرب الفلسطينيين وإثبات قوة الحكومة الإسرائيلية قبل الانتخابات.. فمع أول صاروخ على غزة أصيبت الأمة العربية كلها فى مقتل، فالقادة العرب سنوا ألسنتهم، وكالوا الاتهامات لبعضهم البعض، وتركوا أتباعهم يسبون مصر ويتهمونها بالعمالة والخيانة، وكأن مصر هى التى قصفت غزة بالطائرات وقتلت المئات من الفلسطينيين، أو أن الروح والدم المقسوم بها هى أرواح ودماء المصريين فقط، ونسى الجميع فى خضم الغضب أن مصر فقدت 100 ألف شهيد فى 4 حروب خاضتها من أجل القضية الفلسطينية.. فجأة، أصبحت مصر هى العدو ولم تكن الاتهامات موجهة لإسرائيل مرتكبة المذابح، بقدر ما كانت موجهة لمصر، وسارت المظاهرات هذه المرة تهتف بالروح والدم لفلسطين كالعادة، ولكنها أيضا سارت ضد مصر وتمركزت أمام السفارات المصرية فى الدول العربية والأجنبية!! فحقق العرب قادة ومتظاهرين هدفاً إسرائيلياً ربما أهم من باقى الأهداف التى حققتها بضرب غزة، وبالتالى لم تقم لهم إسرائيل «للمظاهرات» وزنا وسارت فى طريقها الذى قررته.. إسرائيل اختارت طريق العلم والعقل فانتصرت، والعرب اختاروا طريق الهتاف والسباب فخرجوا من الحسابات. الموقف العربى دائماً جالب للخزى والعار.. فلم نتمكن مرة واحدة من اتخاذ أى إجراء رادع ضد التصرفات الإسرائيلية الوحشية، يجعلها تفكر ولو قليلاً فى احتمالات رد الفعل العربى.. فالهتافات لا تحرر أرضاً، ولا تمنع عدواناً ولا تعيد طفلاً قتيلاً لأمه الثكلى.. الشىء الوحيد الذى يحتاجه العرب، هو تغيير السلوك الغاضب الذى لا يمنع غارة إسرائيلية ولا يصوب صاروخاً نحو الطائرة التى نفذتها.. والمطلوب أن يتوقف القادة العرب عن الصغائر، ويتوحدوا تنفيذاً لرغبة العقلاء من شعوبهم ليثبتوا أنهم قادرون على اتخاذ قرار صائب يصب فى مصلحة العرب، ويمنع العدوان الإسرائيلى الدائم، ويجعلنا نشعر بالفخر ولو لمرة واحدة. قصة العرب مع الهزائم طويلة رغم تاريخهم الممتلئ بالبطولات.. فقد حلت الشعارات محل البطولات، فتاهت القضايا وتبقى لنا أن نقول بالروح بالدم نفديك يا فلسطين.. وهو شعار كاذب وخادع ولا يمثل أكثر من كلمات جوفاء لا تعنى أى قدرة على أى رد فعل. [email protected]