«ليس هناك ماهو أكثر أهمية من وضع أساس حل الدولتين» هذا ماقاله الجنرال جيمس جونز، مستشار الأمن القومى الجديد، للرئيس المنتخب باراك أوباما، بشأن إقامة دولة فلسطينية، فى حديث أدلى به الشهر الماضى للنشرة الدفاعية أو «داخل البنتاجون» وكلمات جونز لا تأتى فقط فى إطار المواقف النظرية التحليلية، ولكنها ترتبط بخبرته طوال هذا العام كمبعوث أمنى لدى إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حيث ينسب إليه النجاح فى تحقيق الاستقرار فى جنين بالضفة. وذكرت تقارير أن جونز قدم تقريرا لإدارة بوش عن مهمته، تضمن انتقادات حادة للسياسات الإسرائيلية بمنع شحن الأسلحة لقوات السلطة الفلسطينية والحد من تحركها أو التنسيق معها. أما البصمة الرئيسية لجونز فى هذه القضية فهى دعوته لنشر قوات حلف الأطلنطى (الناتو) فى الضفة الغربية، بما يسمح بسحب القوات الإسرائيلية دون الإخلال بأمن إسرائيل. وقد لوحظ أن وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت تصريحات عن مسؤولين فى وزارة الدفاع توضح رفضهم المطلق لهذا الاقتراح، وذلك فى اليوم التالى لاختيار جونز لمنصبه الجديد، فيما يشبه الضربة الاستباقية ضد احتمال تحرك إدارة أوباما فى هذا الاتجاه. أما المبرر الإسرائيلى فهو أن قوات الناتو لن تكون قادرة على حماية إسرائيل من «الهجمات الإرهابية»، لكن المعنى الضمنى هو ضرورة استمرار وجود القوات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية لأسباب أمنية، وهذا فقط مجرد نموذج للمشاكل التى سيتعين على أوباما أن يواجهها إذا قرر أن يعطى بعضا من اهتمامه لتسوية المشكلة الفلسطينية. وقد ذكر الرئيس الأسبق جيمى كارتر أن أوباما وعده بالتركيز على تحقيق السلام فى الشرق الأوسط. أما مستشار الأمن القومى الأسبق زبيجنيو بريجنسكى فأكد على «البريستيج» الذى يحظى به أوباما الآن والحماس العالمى لانتخابه، وقال إنه لو أعلن مبادرة توضح موقفه فإنها ستحظى بتأييد دولى. لكن اهتمام الرئيس الجديد سيكون مشتتا بين العديد من القضايا المصيرية داخليا وخارجيا: ما بين أزمة اقتصادية طاحنة، وتنفيذ وعده بسحب القوات الأمريكية من العراق فى إطار زمنى مقبول، ومنع إيران من امتلاك سلاح نووى، وقبل وبعد كل ذلك: حسم المعركة ضد منظمة القاعدة فى أفغانستان التى قال أوباما إن الحرب ضد الإرهاب بدأت فيها وستنتهى أيضا فيها، وهو مايتطلب التعامل الجدى مع البعد الإقليمى للمشكلة خاصة فى باكستان، حيث كانت الهجمات الإرهابية فى مومباى الهندية مؤخرا جرس إنذار بإمكانية تفجر الأوضاع بين الجارتين النوويتين. وانشغال أوباما بهذه القضايا لايعنى أنه غير مكترث بتسوية المشكلة الفلسطينية، لكنه يعلم بالضرورة أن الاقتراب منها سيكون أشبه بالاقتراب من عش الدبابير السياسية فى واشنطن، فى وقت يبدو فيه الطرفان الفلسطينيى والإسرائيلى غير مستعدين لتسوية تاريخية. فالفلسطينيون منقسمون بين فتح وحماس. أما فى إسرائيل، فيبدو فوز الليكود ونتنياهو فى الانتخابات القادمة هو الأكثر احتمالا، بما يعنى تجميد هذه العملية فى الأمد المنظور. ويرى بعض المحللين أن اليمين الإسرائيلى سيجد حليفا فى وزيرة الخارجية القادمة هيلارى كلينتون، فهى التى تبنت قضيتهم الأساسية بشأن «معاداة السامية» فى الإعلام ومناهج التعليم الفلسطينية. ويرصد البعض مواقفها من تأييد الجدار الإسرائيلى العازل، إلى الرفض القاطع للحوار مع حماس، وتصويتها لصالح قرار بمجلس الشيوخ يصنف «الحرس الثورى» الإيرانى كمنظمة إرهابية، وكلها مواقف تصب فى صالح اليمين على الساحتين الأمريكية والإسرائيلية، بما يعنى أنها قد تؤدى إلى خلاف أو صدام مع أفكار الجنرال جونز وربما أيضا وزير الدفاع روبرت جيتس. لكن المرجح أن مواقف هيلارى المتشددة لم تكن تعبيرا عن توجهات أيديولوجية كما كان الحال مع مجموعة المحافظين الجدد حول بوش. فهى عضو فى مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك التى تمثل أكبر تجمع يهودى فى العالم بعد إسرائيل، وهو مايفسر بعض مواقفها لإرضاء الجالية اليهودية. وأدلل على ذلك بزيارة قامت بها فى منتصف التسعينيات كسيدة أولى لإذاعة «صوت أمريكا» عندما كنت أعمل بها، حيث تحدثت لأول مرة عن الدولة الفلسطينية، وسبقت فى ذلك الموقف الرسمى لإدارة زوجها. والسؤال الآن: كيف ستتعامل هيلارى مع تلك القضايا كوزيرة الخارجية؟ والإجابة ترتبط بما إذا كانت لاتزال تحلم بالوصول إلى البيت الأبيض. ومع افتراض أن أوباما سيكون مرشح الديمقراطيين فى الانتخابات القادمة، فإن عليها أن تكون مستعدة لخوض تلك التجربة مرة أخرى بعد ثمانى سنوات أى وهى تقترب من السبعين عاما، وهو أمر لن يكون سهلا، لكنه يظل ممكنا. فإذا ماغلب عليها هذا الحلم كما أتوقع، فإننا سنرى هيلارى السياسية التى ترى تحقيق السلام فى الشرق الأوسط فرصة للتألق، ولكن فقط إذا تم بالتوافق مع الحكومة الإسرائيلية والجالية اليهودية. فهى لن تكون مستعدة لاتخاذ مواقف تغضب أيا منهما، وستكون سعيدة بالتخفى وراء البيت الأبيض لو حدث صدام مع حكومة نتنياهو فى حالة فوزه. وهو مايعود بنا إلى طبيعة الحكومة القادمة فى إسرائيل. فعندما يتعلق الأمر بعملية السلام، علينا أن ننظر إلى الانتخابات الإسرائيلية قبل الانتخابات الأمريكية.