حتى سنوات قليلة ماضية كان المصريون يحترمون حرمة الموتى ويرفضون انتهاك عرض النساء فى الكلام.. وعندما كان أحد يتطرق فى الحديث عن بنت أو سيدة حتى لو كانت عاهرة بشهادة الجميع كان الرد الجاهز دائماً «إن الله حليم ستار».. «ربنا يستر على ولايانا»، و«بلاش قذف المحصنات»، وعندما كان أحد يتحدث عن الموتى كان الرد دائماً «اذكروا محاسن موتاكم».. «حرام أين حرمة الموتى». الآن أصبح المجتمع ينتهك كل شىء ولم يعد يراعى أعراض النساء ولا حرمة الأموات.. البعض يلقى اللوم على الصحافة والإعلام ولكنى أرى أن المجتمع شريك فى هذه الجريمة، بعد أن أصبح لديه نهم لمعرفة تفاصيل وقصص وحكايات كان يشمئز من قبل عند سماعها. ما ذنب هبة ونادين أن يقال عليهما كل هذا الكلام وتتردد عنهما كل هذه الشائعات وإن صحت.. هل ذنبهما أن هبة والدتها مطربة معروفة أم ذنبهما أنهما تنتميان لطبقة غنية، هناك طبقات أخرى كثيرة تترصد بها وبأفعالها، ماذا سيفيد المجتمع من تكرار وتداول مثل هذه القصص الخيالية هل سيحاسبهما وهما عند مليك مقتدر، سيحاسبهما لأنه يعلم ما لا نعلمه نحن.. لقد تحول المجتمع كله إلى جلادين يمسكون بالكرباج للجميع، ولم يعودوا يفرقون بين الخصوصية والحق فى المعرفة. المجتمع قتل هبة ونادين مرات ومرات بعد أن قتلهما القاتل وبدلاً من أن يتعاطف معهما، سن لهما سكاكينه وسيوفه وظل يقطع فى جثتيهما دون وازع من الضمير الإنسانى أو تقاليد المجتمع. الأغرب فى الأمر أن المجتمع لم يتقبل فكرة اكتشاف القاتل دون قصة درامية، ويبدو أن الجميع قد تأهل من خلال وسائل الإعلام إلى أن الحادث به قصص وفضائح.. وبالتالى رفض المجتمع وجود سارق قام بالقتل، لأنه كان يفضل استكمال الدراما مثل الأفلام العربية القديمة.. وتناسى الجميع أن الأبطال فى هذه الدراما فتاتان لا ممثلتان. المؤكد أن قيم المجتمع المصرى قد تبدلت وتغيرت وكل الأمور أصبحت مباحة ولم يعد أحد يسأل نفسه ماذا لو كانت هبة أو نادين شقيقتىّ أو ابنتىّ هل كنت سأقبل ذلك؟! المجتمع يقود المجتمع دائماً نحو الفضيحة ويرفض الستر.. بل إنه يريد اختيار نوعية الفضيحة ويرفض أن يتحول الحادث إلى مجرد محاولة سرقة، ويصمم على أن يستكمل الأحداث من خياله ويرفض مراعاة حرمة البنات أو مشاعر أهاليهن وذويهن أو حرمة الموتى. أزمة هبة ونادين كشفت عن أزمة مجتمعية رهيبة.. يمكن أن نحملها كالعادة للحكومة لكن الأفضل أن يبحث أساتذة علم النفس الاجتماعى عن أسباب ذلك النهم المجتمعى حول معرفة الفضائح وانهيار القيم والتقاليد، وأن نعتذر جميعاً لأسرتى هبة ونادين.. وندعو لهما بالمغفرة والرحمة لعلهما تغفران لنا.