«راشد»: مشهد تدمير اللواء المدرع الإسرائيلى «حلم انتقام»    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري ختام اليوم 4 أكتوبر 2025    حساني بشير: مجلس حقوق الإنسان يصوت قريبًا على قرار لوقف إطلاق النار في السودان    إنتر ميلان يهزم كريمونيزي برباعية ويقفز للمربع الذهبي    إصابة 3 أشخاص في حريق عقار بالخانكة والحماية المدنية تسيطر    بعد تكريمه بمهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح.. صبري عبدالمنعم: شكرا إنكم كرمتونا وإحنا عايشين الحمد الله إنكم لحقتونا    استعادت بريقها بعد 20 عامًا من الترميم |افتتاح مقبرة «فرعون الشمس» بالأقصر    شريف العماري: الزواج السري يجعل الزوجة تعيش في حالة خوف واختباء من أبنائها ومعارفها    مصطفى محمد على رأس تشكيل نانت أمام بريست في الدوري الفرنسي    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد القومسيون الطبي العام استعدادا لانتخابات مجلس الشعب    هامن من التعليم بشأن أجهزة التابلت لطلاب أولى ثانوي    المدير الرياضى للأهلى ل «الأخبار»: احتراف الشحات مرفوض وعبدالقادر يرحب بالتجديد    الشوط الأول| بايرن ميونخ يضرب فرانكفورت في الدوري الألماني    لهذا المشروع.. الإسكندرية تفوز بجائزة سيول للمدن الذكية    شبورة وسقوط أمطار.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا الأحد    مات والدها فحاولت الانتحار حزنا عليه بالشرقية    مركز الزرقا يروي المسطحات الخضراء ويُنعش وجه المدينة الحضاري    اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء: «أرض الفيروز 2030» مركز لوجيستى وتجارى عالمى    "المواجهة والتجوال" يحتفي بانتصارات أكتوبر من سيناء    نزال: خطة ترامب تؤجل الاعتراف بدولة فلسطين رغم دعم دول كبرى لها    حزب السادات يدعو لإحياء ذكرى نصر أكتوبر أمام ضريح بطل الحرب والسلام بالمنصة    «النهر الجديد».. شريان أمل تشقه مصر في زمن المشهد المائي المربك    نائب وزير الصحة يوجه بمعاقبة المتغيبين عن العمل بمركز طب الأسرة بالسنانية في دمياط    أسعار البنزين والسولار السبت 4 أكتوبر 2025    بنك مصر يحذر عملاءه من عمليات الاحتيال الإلكترونى.. ورسائل توعية لحماية سرية البيانات المصرفية    ضبط عدد من قضايا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    أقوى عرض لشحن شدات ببجي موبايل 2025.. 22،800 UC مجانًا    حكومة جنوب إفريقيا: نرحب بالتقدم المحرز نحو اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    طوفان بشري.. مئات الآلاف يتظاهرون في برشلونة ضد الإبادة الجماعية في غزة والاحتلال الإسرائيلي    استقبل تردد قناة صدى البلد دراما 2025 الجديد على نايل سات    "بداية أسطورية ل Kuruluş Osman 7" موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عثمان على قناة الفجر الجزائرية    وزير الخارجية يؤكد أهمية تكاتف جهود أبناء الوطن في الداخل والخارج لدعم المصالح المصرية والدفاع عنها    انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي بين طلائع الجيش والجونة    مواقيت الصلاه اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    متحدث فتح: خطة ترامب توقف الإبادة والتدمير وتفتح أفقًا لإعادة إعمار غزة    رئيس الوزراء: صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في مصر صناعة عريقة    أضرار الزيت المعاد استخدامه أكثر من مرة.. سموم خفية    بطل رفع الأثقال البارالمبى: إقامة بطولة العالم بالعاصمة الإدارية حدث تاريخى    أبرز إنجازات خالد العنانى المرشح لمنصب مدير اليونسكو    غدا احتفالية نقابة الصحفيين بذكرى نصر أكتوبر المجيد    افتتاح فرع جديد للخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان لأول مرة بالسويس لعلاج المرضى مجانا    وكيل صحة سوهاج يتابع أعمال لجنة الكشف الطبي للمرشحين المحتملين لمجلس النواب    السيسي يتابع توفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الجديدة.. فيديو    المتحف المصري بالتحرير يبرز دور الكهنة في العصر الفرعوني    " سي إن بي سي": توقعات باستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي حتى 14 أكتوبر وسط تعثر المفاوضات    وكيل الشباب والرياضة بالفيوم يشهد انطلاق الدورة الأساسية رقم 578 للمدربين والإداريين    قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية    طرح النهر يغرق ومصر تُجيد إدارة الفيضان.. خطة استباقية تُثبت كفاءة الدولة في موازنة الأمن المائي وسلامة المواطنين    وزير الزراعة يعلن تحقيق الصادرات الزراعية المصرية 7.5 مليون طن حتى الآن    الرعاية الصحية ببورسعيد بعد إجراء جراحة دقيقة: التكنولوجيا الصحية لم تعد حكرا على أحد    ننشر أسماء المرشحين للفردى والقائمة للتحالف الوطني ببنى سويف للانتخابات البرلمانية 2025 (خاص)    هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر    بينهم طفلان.. 6 شهداء في قصف الاحتلال غزة وخان يونس    مصرع سيدتين وإصابة 7 في حادث تصادم مروّع بالفيوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    موعد انخفاض أسعار الطماطم في الأسواق.. الكيلو وصل 35 جنيه    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحافة الفاضى يعمل قاضى
نشر في المصري اليوم يوم 06 - 12 - 2008

على عكس ما حدث فى قضية مقتل الفنانة «سوزان تميم».. الذى فازت فيه القنوات الفضائية على الصحف فى ماراثون البث المثير عن وقائع القضية، إلى حد انتقل معه التحقيق من مكاتب النيابة إلى استديوهات البث، ومن ساحة المحكمة إلى شاشات التليفزيون، فقد التزمت معظم هذه القنوات، الحذر، فيما يتعلق بقضية مقتل الطالبتين الجامعيتين «نادين جمال» و«هبة العقاد» بمدينة الشيخ زايد، فاكتفت بإذاعة الخبر دون إضافات أو تعليقات، بل إن مقدمى برامج التوك شو، الشهيرة، قد انتقدوا الطريقة التى نشرت بها معظم الصحف وقائع الجريمة، قبل أن تتوصل أجندة الأمن إلى المتهم بارتكابها.
والحقيقة أننى فزعت وأنا أتابع الأسلوب المتوحش الذى تسابقت الصحف دون استثناء فى التعامل به مع هذه الجريمة، إذ كنت أدرك - بحكم المهنة - أن معظم ما نشر، لا يستند إلى مصدر معروف أو موثوق به، قد تكون لديه معلومات محددة منها تصلح للنشر، لأن أجندة الأمن فرضت ستاراً من الكتمان على تحرياتها وتحقيقاتها، بل إنها -
كما نشرت الصحف نفسها بعد ذلك - نبهت على المصادر التى تستقى منها تحرياتها، ومنها صديقات وزميلات الضحيتين وإدارة الجامعة التى كانتا تدرسان بها، ثم أصدقاء المتهم بالقتل قبل القبض عليه، بعدم الإدلاء بمعلومات للصحف حتى لا يستفيد منها الجانى أو الجناة، وحتى تتثبت من صحتها ومن صلتها بالجريمة، وحتى لا تشوش الصحف على ما تقوم به من جهد لمعرفة الحقيقة.
ومقارنة سريعة بين ما نشر فى الصحف عن هذه الجريمة، قبل الكشف عن غموضها، وبين المعلومات التى أذاعتها الشرطة، وما جاء فى أقوال واعترافات المتهم بارتكاب الجريمة، تكشف عن أن معظم - إن لم يكن كل - ما نشرته الصحف لا صلة له بالحقيقة، ولا علاقة له بالجريمة، وأنه كان وليد خيال جامح - وإلى حد كبير ركيك - دفع أصحابه لفبركة وقائع لم تحدث، واصطناع نتائج طبية لم تصدر، ونتائج تحليلات دم لم تجر..
 كما دفعتهم شهوة شريرة، للفضح والتشهير والتلصص على الحياة الخاصة للضحيتين المسكينتين، ونشرها على الملأ، دون التثبت من صحتها، ومن أن لها صلة بالجريمة، ولم يكن ينقص هذه الصحف، إلا أن تقول إنهما تستحقان القتل، وأن قاتلهما، يستحق جائزة الدولة فى «الآداب» لأنه قام بتطهير المجتمع منهما!
وليس لذلك سوى تفسير واحد، هو أن التدهور فى القيم المهنية فى الصحافة المصرية، قد وصل إلى ذروته، وأن التنافس المجنون على نشر خبر مثير، يوشك أن يقودها إلى الهاوية، فلم يعد أحد يحرص على أن يتثبت من أن الخبر الذى يدفعه للنشر، له مصدر معروف، له صلة بالموضوع، ومن أنه ينطوى على الحد الأدنى من المصداقية، على الأقل من الناحية المنطقية.
ولم يعد أحد يفرق بين التقاليد والقواعد المهنية، التى ينبغى على الصحف أن تتبعها قبل أن تنشر خبراً، وبين الأخبار التى تتبادلها ربات البيوت فى جلسات النميمة، حول ابنة الجيران التى ضربها أبوها علقة ساخنة لأنه ضبطها وهى تتبادل الإشارات مع شاب عبر النافذة، والست «حسنية» التى يبدو أن زوجها بعافية شوية، بدليل أنها لم تعد تستحم صباح كل جمعة!
وأسوأ ما حدث نتيجة لهذا النشر المكثف والمشوه والمفبرك لوقائع الجريمة، هو أن الجميع تحولوا إلى «شرلوك هولمز»، وبدأوا يحاولون فك غموضها، وانتهوا إلى يقين بأنها تمت بدافع الانتقام، وهو أحد احتمالات كثيرة كانت الشرطة تبحث عما يؤكدها، فلم تجد، وحين تم القبض على المتهم بالفعل، لم يتنازل «شرلوك هولمز المصرى» عن الحكم الذى أصدره فى القضية.
وعزّ عليه أن يضيع هدراً المجهود الضخم الذى بذله فى البحث والتحرى وإجراء التحريات والتحليلات الطبية، وهو جالس أمام شاشة التليفزيون، فأصر على أن المتهم بريء، وأن الشرطة لفقت له التهمة، ولو أن المحكمة أدانته، فمعنى ذلك أن القضاء غير نزيه وغير عادل.. فهو يعانى من الفراغ، ويريد موضوعاً يتسلى به، لذلك قرر أن يجمع فى شخصه الكريم بين دور الشرطى ووكيل النيابة والقاضى، تطبيقاً للمثل الشعبى: «الفاضى يعمل قاضى»!.
تلك هى عدالة الشوارع، التى حذرت منها قبل أسابيع فى هذا المكان، والتى يسعى الذين يمارسونها أو يحرضون عليها، إلى نقل سلطة الشرطة والنيابة والقضاء فى تطبيق القانون، إلى الشارع مباشرة، ليتحول كل مواطن إلى مشرّع وقاض وجلاد، يضع لنفسه قانون عقوبات خاصاً به، يطبقه على كل من يختلف معه، ويتولى بنفسه التحقيق معه، وإصدار الحكم ضده، بلا دفاع، وينفذه دون استئناف أو نقض.. لينتهى الأمر بفوضى عارمة سيدفع ثمنها الذين يتصورون أن هذه حرية الصحافة وتلك هى الديمقراطية، إذ سيكونون أول الذين يسحلهم خصومهم فى الطرق العامة، تطبيقاً لقاعدة: «الفاضى يعمل قاضى»!.
وياسيادنا الذين فى نقابة الصحفيين: ألا تجدون فيما نشر عن هذه القضية وفى غيرها من الألفاظ السوقية التى يتبادلها الصحفيون، ما يدعوكم لإصدار بيان لتذكير الزملاء بأن هدف الصحافة ورسالتها الأساسية، هى أن تخدم المصالح العامة، لا أن تنافس ربات البيوت فى نشر أخبار الست حسنية التى يبدو أن زوجها بعافية شوية!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.