"ابن العبري".. راهب عبر العصور وخلّد اسمه في اللاهوت والفلسفة والطب    قناة السويس حكاية وطنl القناة الجديدة.. 10 سنوات من التحدى والإنجاز    لليوم الرابع، ارتفاع أسعار النفط وسط مخاوف من تأثر الإمدادات بتهديدات ترامب الجمركية    الرئيس الفلسطيني يرحب ب"الموقف التاريخي والشجاع" لكندا    15 دولة غربية تدعو دولا أخرى لإعلان عزمها الاعتراف بفلسطين    إسرائيل تندد بموقف كندا من الاعتراف بفلسطين: مكافأة لحماس    إعلام أوكراني: الدفاع الجوي يتصدى لهجمات في كييف وحريق جراء هجوم مسيّرة روسية    "العظمى 34".. الأرصاد تحذر السائقين من شبورة كثيفة صباح الخميس    مع الهضبة والكينج .. ليالى استثنائية فى انتظار جمهور العلمين    من يتصدر إيرادات الموسم السينمائى الصيفى ومن ينضم للمنافسة ؟    «وصلة» لقاء دافىء بين الأجيال .. « القومى للمسرح » يحتفى بالمكرمين    طريقة عمل الكب كيك في البيت وبأقل التكاليف    هبوط كبير في عيار 21 الآن.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة    نحن ضحايا «عك»    حرمه منها كلوب وسلوت ينصفه، ليفربول يستعد لتحقيق حلم محمد صلاح    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    سلاح النفط العربي    بسهولة ومن غير أدوية.. أفضل الأطعمة لعلاج الكبد الدهني    المهرجان القومي للمسرح يحتفي بالفائزين في مسابقة التأليف المسرحي    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    بينهم طفل.. إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق فايد بالإسماعيلية (أسماء)    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    هاريس تٌعلن عدم ترشحها لمنصب حاكمة كاليفورنيا.. هل تخوض انتخابات الرئاسة 2028؟    بعد الزلزال.. الحيتان تجنح ل شواطئ اليابان قبل وصول التسونامي (فيديو)    424 مرشحًا يتنافسون على 200 مقعد.. صراع «الشيوخ» يدخل مرحلة الحسم    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    السيارات الكهربائية.. والعاصمة الإنجليزية!    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    تراجع غير متوقع للمبيعات المؤجلة للمساكن في أمريكا خلال الشهر الماضي    اصطدام قطار برصيف محطة "السنطة" في الغربية.. وخروج عربة من على القضبان    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    الحد الأدني للقبول في الصف الأول الثانوي 2025 المرحلة الثانية في 7 محافظات .. رابط التقديم    لحماية الكلى من الإرهاق.. أهم المشروبات المنعشة للمرضى في الصيف    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    مصرع شاب وإصابة 4 في تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    رئيس وزراء كندا: نعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر ويجب نزع سلاح حماس    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بالشيوخ    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    ترامب: وزارة الخزانة ستُضيف 200 مليار دولار الشهر المقبل من عائدات الرسوم الجمركية    شادى سرور ل"ستوديو إكسترا": بدأت الإخراج بالصدفة فى "حقوق عين شمس"    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    "تلقى عرضين".. أحمد شوبير يكشف الموقف النهائي للاعب مع الفريق    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 31 يوليو 2025    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الثورة العلمية والفكر السياسى
نشر في المصري اليوم يوم 06 - 12 - 2008

تكلمت فى مقال سابق عن دور العلم فى تنظيم عالم الإنسان، ليتحرر عقله من جور الخزعبلات والعشوائية.. أريد هنا الربط بين هذه الظاهرة وتطور المجتمع الإنسانى عامةً، فالنضج الفكرى الذى ينتج عن فتح آفاق التجربة والخيال من ناحية والتحليل والنقد من ناحية أخرى، ليس مقصورا على العلوم الطبيعية، إنما يمتد لمجال العلوم الإنسانية، وينعكس حتى على تطور الفنون وأيضا على طبيعة المنظومة الاجتماعية والحياة السياسية.
يعتبر مثلا أرنست جومبريتش، الناقد الفنى المرموق، فى كتابه المهم عن «الفن والإيهام»، أن تاريخ الفن يشبه عملية تطور العلوم الطبيعية، فالفن عند الفراعنة مختلف عنه فى العصور الحديثة نتيجة لسلسلة متعاقبة من التجارب أنتجت، عبر العصور، لغة رمزية صارت تدريجيا أكثر ثراءً ودقة، فاكتسبت قوة متزايدة فى تمثيل وتنظيم العالم، ثم بعد ذلك، فى التعبير عن المعانى والأحاسيس الداخلية للفنان. فى مجال العلم تكون اللغة الرمزية المستخدمة هى عادة لغة المعادلات.
 أما فى الفن فهى لغة الأبعاد والألوان والظل، المستخدمة للإيحاء والإيهام بالمعنى المراد. فى مجال العلوم الطبيعية ينتج عن النظرية والتجربة اكتشاف حقائق وعلاقات جديدة فى عالم المادة، وفى مجال الفن ينتج عنهما تطور للتواصل الذهنى والإيحاء والتعبير، فى كلتا الحالتين يصاحب ذلك تطور منظومة فكرية وعملية متزايدة الثراء، تساعد على فهم وتنظيم وإيجاد معنى للعالم، والتعبير عنه.
 وفى كلتا الحالتين يتطلب ذلك قدرا من الحرية الفكرية والتعددية، فالعلم يتطور عن طريق تنافس الأفكار والنظريات التى يطرحها العلماء دون حجر على أى منها إلا من خلال المنطق والتجربة، وكذلك الفن الذى يتطلب نموه بالطبع وجود مساحة حرية كبيرة متاحة للفنان فى التجربة والإبداع.
والمنهج العلمى، الذى يغير من وضع الإنسان المادى والذهنى، وبالتالى نظرته لنفسه وموقعه فى الكون، يؤثر أيضا على أفكاره فى المجالين الاجتماعى والسياسى، وينعكس ذلك بالتالى فى نوع المجتمع ونظام الحكم الذى يبنيه. فإذا كان التطور فى مجال العلوم والفنون يتطلب قدرا من الحرية والتعددية الفكرية، فبناء مجتمع منظم، ونظام حكم يتعلم من تجاربه ويصوغ القوانين والمقاييس التى تحكمه بطريقة عقلانية، يتطلب التعددية والحوار الحر الذى يتيح نمو اللغة السياسية المشتركة الناضجة التى تسهل التواصل الذهنى والنقد البناء.
فتحرر الإنسان التدريجى من طغيان الخزعبلات الموروثة وجور العشوائية فى رؤيته للعالم، كان له بالقطع انعكاسات على واقعه الاجتماعى والسياسى. لذلك رفض الحكم العشوائى، الهوائى والتسلطى، وطالب بأن يكون العالم السياسى منظماً وذا معنى، تحكمه قوانين مفهومة معروفة ومعلنة، تماما كما صار عالمه المادى وخياله الفكرى.. وعن هذا النوع من المطالب نشأ النظام التعددى الديمقراطى.
مع ذلك، من حين لآخر، ظهرت فى العالم الحديث حركات نددت بالنظام التعددى، واتهمت المنهج العلمى، فى سياقه السياسى، بال«برود»، وبأنه يؤدى للتفتت الاجتماعى وتذويب روح الأمة وضياع ثوابتها بفتحه المجال للتساؤل والشك. فنادت بالقائد «الكاريزمى»، ال«فنان» الملهم الحر بنظامه الصارم الذى يبدو منظما، والذى يمكن أن يوحد الشعب وينقذ الأمة من التشرذم وفقدان الهوية..
 انتهت كل تلك التجارب الفاشية وشبه الفاشية -والكثير منها كان عندنا فى العالم العربى للأسف- بالانهيار المأسوى للبطل الملهم وبالعذاب الأليم لشعبه. مع ذلك، ما زال البعض يترحم على أيام القائد الملهم، ويتخيل أن النهاية المأساوية لحكمه لم تكن حتمية، وأن أخطاءه كانت ثانوية وكان يمكن تفاديها. لكن، كما علمنا كتاب المأساة اليونانيون القدماء، العالم محكوم بقوانين
العالم الاجتماعى، مثل العالم المادى والفنى، محكوم بقوانين ونظم. والمهارة السياسية الحقيقية كامنة فى فهمها واستيعابها تدريجيا، ذلك ما يفشل فيه النظام الديكتاتورى وينجح فيه النظام التعددى، المبنى على أساس عقلانى هدفه تنظيم العالم الاجتماعى عن طريق التجربة الحذرة والحوار الحر.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.