يثبت الصحفيون أنهم آخر خلق الله مصداقية حينما يتحدثون عن تداول السلطة، فما من مرة أتيحت لهم الفرصة على المستوى المحلى أو العربى إلا وخيبوا ظن الناس بهم، فقد عقد اتحاد الصحفيين العرب مؤتمره بالقاهرة وانتهى بتجديد البيعة للأستاذ إبراهيم نافع وهو مريض فى باريس أعاده اللّه سالمًا، وقيل إن هذا تم وفاء للرجل وهو أهل له، وهكذا انحاز الصحفيون للرجل على حساب المبدأ، أقول هذا وليس بينى وبين الرجل أى ضغينة ولن أتزيد حين أقول إننى انحزت له كثيرًا ظالمًا ومظلومًا. أيام وليالٍ فى فندق خمسة نجوم قضاها صحفيون ومفكرون عرب كبار على ضفاف نيل القاهرة.. رفعوا شعارات حرية الصحفى والصحافة، ولم يتحدثوا عن سبل تحقيق هذا، انشغلوا فقط بجغرافيا الكراسى وتوزيع المناصب والتربيطات وتجديد البيعة وترديد القسم على عدم الخيانة والالتزام بالتعهدات، وكان أول ما خانوه هو الشعار، وآخر ما أوفوا بعهده هو القسم.. بقى الحال على ما هو عليه.. القيادة لمصر، واللجان لمن يرغب من القبائل، صحيح أنه فخر للصحفيين العرب ولمصر أن يكون مقره القاهرة، وصحيح أيضًا أنه فخر للمصريين أن يتولى كبيرهم القيادة على مدى أربعة عقود إلا قليلاً حينما تم نقل المقر لبغداد، ولكن الفخر الأعظم لو كان للاتحاد دور آخر غير التعبير عن تردى أحوال العرب وانقسامهم وتنافسهم المتواضع على رئاسة كيان لا يعرف الصحفيون المصريون قبل العرب له عنوانًا.. بعد أربعة عقود من التأسيس تمت الانتخابات لأول مرة وفاز نافع بالرئاسة وتنافس على منصب الأمين العام مكرم محمد أحمد ومحمد يوسف من الإمارات، وبالطبع فاز مكرم بمنصب وظيفى لا يليق بمكانة ومقام الرجل، وفاز حاتم زكريا بأمانة الصندوق وبدا الاتحاد وكأنه فرع من نقابة الصحفيين المصرية، وبغض النظر عن الشوفينية المصرية التى أخذت منا أكثر مما أضافت فقد كان من اللياقة وحسن الضيافة الاكتفاء بمنصب رئيس الاتحاد، غير أننا سمعنا البعض يروج للمنافس على منصب الأمين بأنه شيعى ويسعى لنقل الاتحاد من مصر، وهذا ضلال لم يكن يليق بصحفيين لأن الإماراتى محمد يوسف لم يكن يومًا شيعيًا، وهو واحد من المغرمين بمصر، ويشهد بذلك كل من عمل معه فى جريدة «الاتحاد» عندما كان مسؤولاً عن التحرير بها، ثم الأغرب من كل ذلك هذا الاتهام عن مذهب إنسان وكأنه بات تهمة تلاحق صاحبها وبدا الصحفيون وكأنهم ضباط فى أمن الدولة، وظهر فى أروقة المؤتمر أن الاتحاد لا يعبر عن الصحفيين بقدر ما يعبر عن النقابات والاتحادات وكأن عضوية المجلس هى الجسر لمناصب أخرى عملاً بنظرية «التكويش» التى يصدعنا برفضها جموع الصحفيين، وكان من اللياقة أن تختار نقابتنا وفدًا يمثل كبار الصحفيين المهمومين بشؤون المهنة مصريًا وعربيًا على غرار ومكانة الراحل صلاح الدين حافظ، ولكن فيما يبدو كان هو آخر رجال المهنة المحترمين. وفى أدبيات الاتحاد ووثيقة تأسيسه ما يجعل أى عاقل يفر من هذه الوصمة، ذلك أنه بمعايير التاريخ والجغرافيا وعلوم الإعلام والسياسة والقانون لا يجب أن يكون هذا الاتحاد موجودًا إلا فى كتب التاريخ فهو يكافح الاستعمار ويدعم عدم الانحياز ويعمل على القضاء على الصهيونية وتحقيق الأهداف القومية للشعب العربى ويصون الحرية (حصل ممثل سوريا على أعلى الأصوات).. وكلها أهداف طموحة لم يحقق منها الاتحاد ولا من هو أتخن منه شيئًا.. فقط يتصارعون على مقاعد القيادة ونسوا الأهداف التى كتبوها عام 64، ونسوا طرح مبادرات لتحسين أوضاع الصحفيين العرب أو مشروعات قوانين لضمان تداول المعلومات أو منع حبس الصحفيين فى القوانين الجنائية للصحفيين... ببساطة لم أجد شيئًا يذكر ولا إنجازًا يستحق الشكر، حتى البيان الختامى الذى وزع قبل بدء المؤتمر اجتهد فيه حملة القلم بجمل إنشائية فضفاضة، الشىء الوحيد الذى يذكر هو مشاركتهم فى تشييع الصحفى الجليل ورئيس الاتحاد الأسبق كامل زهيرى وتأبين المحترم صلاح حافظ وإعادة إنتاج نفس الوجوه... شكر اللّه سعيكم!