(1) «نعم نستطيع - Yes We Can».. الكلمة المفتاح التى تفسر لماذا نجح أوباما... فبالإضافة إلى الكاريزما الشخصية والانطلاق فى الحديث.. فإن أوباما هو تعبير عن التحول النوعى الذى حدث فى الداخل الأمريكى، حيث أجيال جديدة وشرائح اجتماعية صاعدة تريد أن تشارك بجدية فى إدارة شؤون البلاد، وأن تضغط فى اتجاه إعادة توزيع الثروة (بحسب أوباما) على الجميع من قبل الدولة التى ترعى كل المواطنين بغير تمييز، وليس نخبة ثروية تستغل الدولة فى توزيع جانب من فائض الثروة على البعض... الأمر يتجاوز قدراته الشخصية ولغته البليغة إلى أنه تعبير عن قاعدة اجتماعية تم إهمالها منذ ما وصفناه مرة بالجمهورية الثالثة التى أسسها فرانكلين روزفلت (تولى الرئاسة 1932 وواجه الأزمة الاقتصادية بسياسة الصفقة الجديدة). ظلت الجمهورية الثالثة مستمرة خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وخلالها انطلقت حركات الحقوق المدنية والمرأة والمهمشين.. لقد كان البعد الاجتماعى أساس هذه الفترة من إصلاحات تأمينية صحية واجتماعية. بيد أن نخبة رجال الأعمال المتحالفة مع المحافظين الدينيين، والتى تدعمها شعبوية جنوبية (الجمهورية الرابعة التى تأسست مع ريجان)، رفضت أى طروحات ذات طابع تقدمى أو تفعيل التنظيمات المدنية النوعية.. فلقد انقلبت على كل الإجراءات التحديثية التى حدثت فى الجمهورية الثالثة من إعادة توزيع الدخل بما يفيد الطبقة العاملة.. وجعل الصناعة مركزية فى كل ولاية، والعناية بالتأمين الاجتماعى والصحى. (2) فى هذا السياق دخل أوباما إلى الساحة السياسية.. حيث قام بما يلى: - تجاوز طروحات من سبقه من القيادات السوداء... فأوباما استطاع أن يكون مرشحا ليس للسود فقط ولكن لشرائح من البيض، وتشير الأرقام إلى فوزه بنسبة تزيد على ال25% من أصوات البيض، وإلى ما يقرب من 70% من الشباب تحت سن الثلاثين. - العناية بتحليل الواقع الاقتصادى والاجتماعى للشرائح الوسطى والدنيا طارحًا رؤية تتجاوز الرؤية السكونية التى فرضها المحافظون: السياسيون والدينيون. وبمتابعتنا خطاباته أثناء الحملة الانتخابية نذكر خطابه الأهم الذى ألقاه فى فيلادلفيا فى 18 مارس الماضى حيث قال: - «...إن الوثيقة الدستورية التى وقعت قبل 221 عاما قدمت إجابة عن السؤال حول مسألة العبودية من خلال فكرة جوهرية / أنموذج هى: المساواة فى المواطنة.. دستور وعد شعبه بالحرية والعدالة، بيد أن ما تم خطه على الورق لم يكن كافيا لتحرير أسر العبيد.. وهو ما دفع بالمواطنين إلى النضال من أجل تضييق الفجوة بين المثل التى وعدوا بها وبين الواقع». - ويؤكد أوباما على أهمية الاندماج رافضا أن يقدم نفسه مرشحا عرقيا لفئة بعينها، «بالرغم من إغراء النظر إلى ترشحى من عدسة محض عرقية»..ويرفض كذلك التلميح بأن ترشحه هو أحد «تطبيقات التمييز الإيجابى».. إنه «منحى لتقسيم الأمة». فالأمة فى نظره «أكثر من مجموع أجزائها». ويشدد على ضرورة الحاجة إلى: «الوحدة فى مواجهة اقتصاد يتهاوى، ورعاية صحية تعانى أزمة حادة... مشكلات ليست سوداء أو بيضاء ولا لاتينية أو آسيوية.. مشكلات نواجهها كلنا».. ويقدم قراءة اقتصادية/اجتماعية دقيقة لوضع السود ولكن ليس من منظور عرقى فيقول: «إن الغضب الذى لدى السود من الفقراء يوجد فى مقابله» غضب مماثل موجود فى قطاعات من البيض.. فمعظم الأمريكيين البيض ممن ينتمون إلى الطبقة العاملة والمتوسطة لا يشعرون بأن لونهم الأبيض يمنحهم أى امتيازات».. ومن ثم فهذه الفئات قلقة على مستقبلها.. ولكن من خلال العمل معا يمكن بناء اتحاد أكثر كمالا.. بتجاوز الماضى المأساوى.. والإيمان بأن أمريكا قادرة على التغيير. (3) إنه أوباما الصاعد من أسفل الجسم الاجتماعى إلى أعلى، هو نموذج لرفض الأمر الواقع والإصرار على الاندماج الفاعل فى المجتمع... وإطلاق الطاقات الكامنة لدى الناس.. الذين بادروا وسجلوا أسماءهم وأصروا على المشاركة فى محاولة للتغيير: تغيير السياسات التى لا تخدم سوى القلة، والقيادات الهرمة، والثقافة المحافظة. هل سيتحقق التغيير.. نعم بالناس.