بروفايل: ابنة الضابط التى أصبحت حامية حقوق الإنسان

بعد شهورقليلة من ميلادها عام 1951، كان قرار الأب الضابط والمدرس بكلية الشرطة، تركها وإخوتها ووالدتها، والذهاب إلى الإسماعيلية متطوعاً، للمشاركة فى دعم ضباطها المحاصرين فى مبنى المحافظة من قبل قوات الإنجليز. لتشب تلك الفتاة، وهى مؤمنة بمعانى كثيرة، باتت نادرة فى أيامنا هذه، كالانتماء، والرجولة، والتضحية، والفداء.
هكذا نضجت وهى تضع نصب أعينها صورة الأب الذى بات رمزاً، وتقول عنه: «كان أبى بالنسبة لى الصديق والحبيب والابن والرفيق فى مشوار الحياة، أب لا يمكن تكراره بأى حال من الأحوال، حتى إننى كنت أرفض من يتقدم للارتباط بى لمجرد أنه لا يشبه صورة والدى، وعندما اخترت شريك حياتى، كان السبب الأول بعد اقتناعى به، وجود تشابه فى الشخصية بينه وبين أبى» .
منحها الله فى طفولتها من الفطنة والذكاء والقدرة على تحقيق الهدف، ما جعلها محل ثقة والديها، وهى الابنة الوحيدة بين عدد من الإخوة الذكور. إلا أن الملمح الرئيسى فى تلك الطفولة، كانت صورة الوالد الذى كان المتواجد دوما حتى فى لحظات الغياب، وتعود للحديث عنه: «كان هناك تواصل نفسى وروحى بيننا، إلى الحد الذى كان من الممكن أن أذهب إليه وقت حاجته لى، دون أن يطلب منى ذلك، فيمد يده ويحتضننى قائلاً: (منمونة حياتى) .
تضيف: كان شديد التفهم لمشاعرى، وعندما كان يعاقبنى، كان يكتفى بمقاطعة الحديث معى، وهو يعلم أن ما يفعله بى من أقسى الأمور على نفسى، فلم أكن أهدأ إلا بعد أن أذهب إليه، وألح عليه فى مسامحتى.
وأذكر أننى عندما كنت أطلب منه شيئا، كان يسألنى ذكر الحجج والمبررات التى تجعله يوافق على مطلبى، قائلاًً: «إما أن تقنعينى وإما أن أقنعك« . وهو أمر أدركت عندما كبرت، أن هدفه، كان تدريبى على كيفية طرح أفكارى، وإبراز أهم الحجج لإقناع من أمامى بها، وهو ما جعلنى أختار فيما بعد العمل بالمحاماة» .
لم يكن فقط حنان الأب وتفهمه هو ما منح الصغيرة قوة الشخصية، وحسن الإدراك، ولكن إصرار الأم على أن تعامل ابنتها كما تعامل إخوتها الذكور من دون تفرقة، سبباً فى أن تشب الابنة على إحترام الآخر، وإعتناق مبادىء العدل والمساواة، فكانت فى طليعة الحقوقيين المهتمين بشؤون الوطن والمواطن.
وتؤكد حكايتها بقصة ترويها عن طفولتها، قائلة: «فى نهاية المرحلة الثانوية أعلنت وزارة التربية والتعليم عن مسابقة لاختيار طالب أو طالبة، للسفر إلى الولايات المتحدة، والمكوث هناك أربعة أشهر، للمشاركة فى مؤتمر عالمى لشباب العالم، وشجعنى أبى على دخول المسابقة بكل طاقته، ففزت بالمركز الأول،
وعندما حان موعد السفر، اكتشفت أن موعد عودتى سيكون قبل إمتحان أخر العام بخمسة أشهر وهو ما يعنى أنه سيفوتنى الكثير من مواد الدراسة، فخشيت إتمام الرحلة، إلا أن أبى لم يتردد لحظة، مؤكداً لى أن الخبرة التى سأكتسبها من تلك التجربة تفوق ما قد أتعلمه فى حياتى الدراسية كلها وأنه لا يهتم إذا ما رسبت فى الامتحان فى هذا العام لإننى أسافر كى أمثل مصر كلها».
 تستطرد منى: «وقتها كانت علاقتنا بالولايات المتحدة سيئة، ولم يكن مسموحا لأى مسافر إليها بحمل أكثر من 25 دولاراً، ولكنه (والدى) منحنى 200 دولار أمام ضابط الطائرة وقال: «لن أترك ابنتى تسافر وحدها بمبلغ كهذا» .
وتعود الصغيرة وقد تغيرت شخصيتها ونضجت كما توقع الأب، ولكن لم يكن باقيا على موعد الامتحان النهائى سوى شهر واحد، كان الجميع يتوقع لها الرسوب.
لكنها فاجأت أباها الذى منحها الثقة، بتفوقها وتواجد اسمها بين الأوائل، وليكون التحاقها بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ثم دراستها الحقوق من بعدها، وممارستها للعمل العام ومؤخرا اختيرت من قبل اللجنة الاستشارية بمجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، لتشغل منصب النائب الثانى لرئيس المجلس. تلك هى الابنة منى ذو الفقار، أما الأب فهو الفنان صلاح ذو الفقار.