وزير العدل: التعديلات المقترحة بشأن تعديل المواد المدنية والتجارية الصادر جاءت فى وقتها    تبدأ الخميس 22 مايو.. جداول امتحانات الترم الثاني 2025 لجميع الصفوف في القاهرة والجيزة    قصص تُروى وكاميرات تنطق بالإبداع.. حفل تخرج دفعة 40 شعبة إذاعة وتليفزيون بإعلام الزقازيق    الوزير: إقرار تعديلات جديدة في البرنامج الوطني لتطوير صناعة السيارات    محافظ الفيوم يوجه بتوفير مساعدات مالية للحالات الأولى بالرعاية    وزير الإسكان: حريصون على خلق فرص استثمارية للمطورين والمستثمرين العقاريين    تراجع معدل البطالة في مصر إلى 6.4% خلال الربع الأخير من 2024 بدعم نمو القطاعات الحيوية    جمود مفاوضات الدوحة.. تل أبيب تدرس إعادة وفدها من قطر    وزير خارجية إيران يستقبل وفدا من حماس    إيقاف كونتي وإنزاجي وكونسيساو بعد أحداث الجولة ال 37 في الدوري الإيطالي    انفراجة في أزمة ربط حزم بيانات سكن الحجاج بالمسار الإلكتروني السعودي    مأساة في صحراء أسوان: العثور على جثث 5 شباب ضلوا الطريق أثناء التنقيب عن المعادن    بينهم أم ونجلها.. إصابة 3 أشخاص في تصادم ملاكي وتوك توك بطوخ    جنايات مستأنف تبرئ مدرب كرة قدم من هتك عرض طفلين أثناء التدريب في الإسكندرية    وقفة عيد الأضحى.. فضائلها وأعمالها المحببة وحكمة صيامها    وزير الصحة يدعو لدعم الأشقاء بدولتي فلسطين والسودان وتوفير الحماية الإنسانية والصحية للمدنيين    إيلي كوهين..الجاسوس الذي زرعته إسرائيل في سوريا.. روايات عديدة لكيفية افتضاح سره والقبض عليه .. ساحة المرجة شهدت إعدامه وجثته ظلت معلقة ساعات.. وإسرائيل حاولت استعادة رفاته طوال 60 عاما    رئيس الوزراء الهندي يشن هجوما لاذعا ضد باكستان    السعودية تتيح استعراض تصاريح الحج عبر تطبيق «توكلنا»    عاجل- الداخلية السعودية تحذر من مخالفي تعليمات الحج وتفرض غرامات تصل إلى 100 ألف ريال    بيان عاجل من راعي الأهلي بعد اتهامات بالإساءة للزمالك    محافظ الدقهلية يكرم عبداللطيف منيع بطل إفريقيا في المصارعة الرومانية    وزير التعليم العالي: 30% من حجم النشر الدولي في مصر تأخذه «ناس تانية» وتحوله لصناعة    وزيرة البيئة تشارك في فعاليات المعرض العربي للاستدامة    رئيس الطائفة الإنجيلية: الاحتفال بمرور 17 قرنًا على مجمع نيقية يعكس روح الوحدة والتقارب بين الكنائس الشرقية    وزير الشؤون النيابية: نحتاج إلى محكمة قضائية لتنفيذ أحكام التحكيم    ضبط مواطن بتهمة طعن صاحب مخبز خلال مشاجرة بينهما في الدقهلية    بامتياز مع مرتبة الشرف، محمود شافعي يحصل على الدكتوراه في توظيف المؤسسات الثقافية العربية للعلاقات العامة الرقمية في تعزيز علاقتها مع الجمهور    تنطلق يوليو المقبل.. بدء التسجيل في دورة الدراسات السينمائية الحرة بقصر السينما    إلهام شاهين عن المشروع X: فيلم أكشن عالمي بجد    رئيس الوزراء الإسباني يطالب باستبعاد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية يوروفيجن    توسعات استيطانية بالضفة والقدس.. الاحتلال يواصل الاعتقالات وهدم المنازل وإجبار الفلسطينيين على النزوح    الصين تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في السودان    مجلس الوزراء: لا وجود لأي متحورات أو فيروسات وبائية بين الدواجن.. والتحصينات متوفرة دون عجز    قوافل طبية متكاملة لخدمة 500 مواطن بكفر الدوار في البحيرة    «الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار    وزير الثقافة يجتمع بلجنة اختيار الرئيس الجديد لأكاديمية الفنون    ركن نجيب محفوظ بمكتبة الإسكندرية.. ذاكرة حيّة لأديب نوبل    ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر في حملات تفتيشية بالعاشر من رمضان    الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام    "تبادل الاحترام وتغطية الشعار".. كوكا يكشف سر مشاركته في الجولة الأخيرة من الدوري الفرنسي    وزير الرياضة يُشيد بتنظيم البطولة الأفريقية للشطرنج ويعد بحضور حفل الختام    بعد تشخيص بايدن به.. ما هو سرطان البروستاتا «العدواني» وأعراضه    إعلام عبري: نائب ترامب قرر عدم زيادة إسرائيل بسبب توسيع عملية غزة    مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية    إطلاق مبادرة لخدمة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين 19-5-2025 فى الإسماعيلية.. فيديو    أسطورة مانشستر يونايتد: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    "الإدارة المركزية" ومديرية العمل ينظمان احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية    محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة    متحف الحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف 2025    هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر .. دار الإفتاء توضح    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفريضة الغائبة فى إدارة الأصول السائبة
نشر في المصري اليوم يوم 16 - 11 - 2008

تابعت المؤتمر الصحفى الذى ظهر فيه الأستاذ جمال مبارك، أمين لجنة السياسات فى «الحزب الوطنى الديمقراطى»، ومعه الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار، وكشفا فيه جانباً من تفاصيل ما أطلقا عليه «برنامج إدارة الأصول المملوكة للدولة».
 ولأنه تولد لدىّ إحساس فورى بأهمية، ربما خطورة، ما يجرى الإعداد له فقد كان من الطبيعى أن أحرص على متابعته ومحاولة تقصى أبعاده قدر الإمكان.
 وقد استخلصت من هذه المتابعة أن الحكومة المصرية تريد أن تمضى قدما فى برنامج «خصخصة» كانت قد بدأته منذ سنوات لكنها تدرك الآن أن هذا البرنامج بات سيئ السمعة، حيث راح كثيرون ينظرون إليه كعنوان لفساد تبغى النخبة الحاكمة من ورائه تحقيق ثروة غير مشروعة على حساب الأغلبية الكادحة من الفقراء وليس وسيلة لإصلاح اقتصادى حقيقى،
 ومن هنا رغبتها فى استبداله ببرنامج آخر قابل للتسويق شعبيا، كما فهمت منها أن البرنامج الجديد المقترح يتضمن مجموعة خطوات أو إجراءات تم الانتهاء من بعضها ويجرى استكمال بعضها الآخر، وذلك على النحو التالى:
1- تم حصر الشركات المتبقية تحت سيطرة الدولة - كما تم تصنيفها - فى أربع مجموعات وفق أهميتها الاقتصادية والأمنية.
 فهناك مجموعة أولى (فئة أ) تضم جميع الشركات العاملة فى مجال صناعات وصفت بأنها «استراتيجية»، مثل شركات الدواء والحديد والصلب والألومنيوم والكوك والسكر والنحاس والأسمدة والأسمنت، ويقترح البرنامج أن تحتفظ الدولة بنسبة لا تقل عن 67% من مجموع أصولها.
 وهناك مجموعة ثانية (فئة ب) تضم جميع الشركات التى وصفت بأنها «مهمة»، مثل شركات النقل والسياحة وبعض الشركات العاملة فى مجال الصناعات التحويلية، ويقترح البرنامج أن تحتفظ الدولة بنسبة تصل إلى 51% من مجموع أصولها.
 وهناك مجموعة ثالثة (فئة ج) تضم الشركات العاملة فى مجالات أقل أهمية، مثل شركات توزيع السلع والمواد التموينية وغيرها، ويقترح البرنامج أن تكتفى الدولة بملكية نسبة لا تزيد على 30% من مجموع أصولها.
 أما المجموعة الرابعة والأخيرة (فئة د) فتضم بقية الشركات الأخرى التى تم نقل ملكيتها بالكامل إلى القطاع الخاص فى إطار البرنامج القديم أو التى لا ترى الحكومة، لسبب أو لآخر، ضرورة للاحتفاظ بأى نسبة من ملكية أصولها وبالتالى سيتم تمليك ما تبقى منها للقطاع الخاص بالكامل.
2- ستجرى، فى مرحلة لاحقة، عملية تستهدف نقل الأصول المملوكة للدولة فى مختلف الفئات، بعد تحويلها إلى أسهم، إلى المواطنين أو إلى المجتمع مباشرة،
 وذلك من خلال وسيلتين، الأولى: توزيع نسبة تتراوح بين 80 و85% من هذه الأسهم مجانا وبالتساوى على المواطنين الذين تزيد أعمارهم على 21 عاما، والثانية: تحويل النسبة الباقية منها، التى ستتراوح فى هذه الحالة بين 10 و15%،
 وكذلك الأسهم المتنازل عنها طواعية من جانب المواطنين أو تخص مواطنين لم يتقدموا بطلب رسمى للحصول على حقوقهم من الأسهم المجانية خلال المدة القانونية المحددة،
وهى عام من بدء تنفيذ القانون الخاص الذى سيصدر لهذا الغرض، إلى صندوق خاص جديد يسمى «صندوق حماية الأجيال القادمة».
3- ستعهد إلى هيئة مستقلة تشكل خصيصا لهذا الغرض بمهمة إدارة هذه الأصول أيا كان شكلها.
وأعترف أنه طغى على فى البداية شعور بالارتياح تجاه هذا البرنامج. فمن منا يكره أن يصبح المواطنون جميعا ملاك أسهم يحصلون عليها مجانا وبالتساوى من الدولة؟ ومن منا يكره تخصيص نسبة من الأصول المملوكة للشعب لحماية الأجيال القادمة والمحافظة على حقوقها؟.
 ولم أستبعد، فى محاولة أولية لتفسير ما اعتقدت فى البداية أنه تغيير مفاجئ فى السياسات، افتراض حسن النية واحتمال أن تكون الرغبة الصادقة فى الاستفادة من أخطاء الماضى هى التى دفعت إلى تصحيح المسار. غير أن هذا الشعور الذى طغت عليه العاطفة لم يصمد طويلا أمام التحليل بعقل بارد.
 فبعد تقليب الأمر على وجوهه المختلفة توصلت إلى استنتاجات مغايرة يمكن طرحها على النحو التالى:
1- أغلب الظن أن المواطنين من سكان العشوائيات والقبور والعمال والفلاحين وصغار موظفى الدولة ومعظم الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، الذين يشكلون فى مجموعهم ما لا يقل عن 95% من إجمالى تعداد السكان ولا يجدون ما يسد رمقهم أو ما يكفى للإنفاق على تعليم وعلاج أولادهم،
أغلب الظن أنهم لن يحتفظوا طويلا بأسهمهم وسيقومون ببيعها على الفور للتخفيف من حدة ضائقتهم المعيشية.
 ومعنى ذلك أن ملكية 95% من الأصول التى سيشملها البرنامج الجديد ستنتقل بالكامل، وخلال فترة لن تزيد على عام واحد على الأرجح، إلى ال 5% الباقية من المواطنين، التى باتت تملك كل شىء وتتحكم فى كل شىء فى مصر.
 ولا أظن أن أى تشريعات سوف تتمكن من الحد من ظاهرة تركز الملكية. فمعين الوسائل والأساليب التى تسمح بالالتفاف على هذه التشريعات لا ينضب أبدا.
2- ستظل قدرة الحكومة فى التأثير على البرنامج والتلاعب بأهدافه كبيرة، وذلك من خلال سيطرتها على آليات تقييم الأصول المطروحة للبيع من ناحية، وعلى آليات إدارتها بعد ذلك من ناحية أخرى، بصرف النظر عن كل ما قيل أو سيقال عن «استقلالية» جهات التقييم أو الإدارة.
 فطالما لا توجد حكومة منتخبة انتخابا حرا ونزيها سيظل الشك قائما حول حقيقة ودرجة استقلال أى هيئات يصدر بتشكيلها قرار إدارى من هذه الحكومة.
 ولأن الشعب المصرى بات صاحب خبرة كبيرة فى التعامل مع الحكومة وهيئاتها «المستقلة»، من خلال اختباره لعمل هيئات سابقة كالهيئة التى شكلت حديثا لتحل محل القضاة فى الإشراف على الانتخابات، فالأرجح أنه ستساوره شكوك كثيرة فى مصداقية وقدرة هذه الهيئات على إدارة أصوله بنزاهة وحكمة، بافتراض أنه سيظل مالكها الحقيقى.
 يضاف إلى ذلك أنه من الطبيعى أن يتشكك المواطن فى حرص حكومة سبق لها أن أساءت استخدام أموال صناديق المعاشات والتأمينات على «حماية الأجيال القادمة»!
3- لم يقدم الحزب الحاكم تعريفا واضحا لمفهوم «الأصول المملوكة للدولة»، التى يطمح برنامجه الجديد فى نقل ملكيتها إلى المواطنين مباشرة، حيث يوجد حصر دقيق لهذه الأصول.
 ولن أضرب مثلا بشركة قناة السويس، الذى عادة ما يرد هنا إلى الأذهان، وإنما بالأراضى الصحراوية التى تخصص لأغراض البناء أو الاستصلاح الزراعى. فهذه الأراضى هى بالقطع «أصول مملوكة للدولة»،
 ومع ذلك فعملية نهبها وبيعها ل«المحاسيب» واستخدامها وسيلة لشراء الولاءات السياسية، كانت ولا تزال مستمرة.
4- إذا كانت الدولة تعترف الآن بأن صناعات الأسمنت والحديد وغيرها هى صناعات «استراتيجية» تتطلب مقتضيات الحفاظ على الأمن الوطنى وسيطرة الدولة على ثلثى أصولها،
 كما تعترف بأن هناك صناعات أو خدمات أخرى تتطلب مقتضيات الحفاظ على المصلحة الوطنية سيطرة الدولة على نسبة تزيد قليلا أو كثيرا على نصف أصولها، فلماذا سبق للدولة أن فرطت فى أصول من هذا النوع وباعتها بالكامل وبأبخس الأسعار للقطاع الخاص،
ولماذا لا تحاول الدولة استعادة ما فقدته من هذه الأصول، إذا كانت حقا مقتنعة بما تقول، لتشكيل نظام اقتصادى متكامل ومتماسك يسيطر فيه المجتمع على نسب تتراوح بين 30 و 67% من أصوله.
5- لم أفهم سبب الحرص على أن يكون جمال مبارك بالذات هو من يتولى الإعلان عن هذا البرنامج. فإذا كان المطلوب إثبات نسب البرنامج الجديد للحزب، منفردا أو بالاشتراك مع الحكومة، فالأصول فى مثل هذه الأحوال تقضى أن يكون رئيس الحزب أو أمينه العام هما المتحدثين باسمه.
فى ضوء ما سبق لم أعد أشعر بأى اطمئنان لما يجرى الإعداد له. فبيع الأصول العامة الباقية سيؤدى إلى أن تؤول ملكيتها، «لكشة واحدة» وليس «تاتا تاتا» كما يقول الممثل خفيف الظل هانى رمزى فى فيلمه الجميل «عايز حقى»، إلى الطبقة ذاتها التى نهبت مصر.
 ومن حقنا هنا ليس فقط أن نختلف وإنما أن نعترض أيضا، وهو اعتراض لا ينبع من اعتبارات أيديولوجية وإنما سياسية. فمن يرد أن يخصخص، بصرف النظر عن النسبة، عليه أن يحصل على الشرعية أولاً، وعلى تفويض شعبى لا شبهة فيه.
 فالشرعية هى الفريضة التى كانت، ولا تزال، غائبة عن برنامج تحول بقدرة قادر إلى «برنامج إدارة أصول»، بعد حذف كلمة «خصخصة».. وهذه ليست أصولاً صحيحية لإدارة الأصول!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.